بعد أن بين سبحانه أن المنافقين يظهرون غير ما يضمرون، فإذا هم طلبوا الإذن خوف الفتنة كانوا كاذبين، وذكر أنهم يتمنّون أن تدور الدوائر على المؤمنين قفّى على ذلك بذكر غلوّهم فى النفاق وأنهم لا يتحرّجون أن يحلفوا الأيمان الفاجرة لستر نفاقهم خوف الفضيحة، وأنهم يتمنون أن يجدوا أىّ السبل للبعد عن المؤمنين، فيلجئوا إليها مسرعين.
[الإيضاح]
(وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَما هُمْ مِنْكُمْ وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ) أي ويحلفون بالله لكم كذبا إنهم منكم فى الدين والملة وهم ليسوا من أهل دينكم وملتكم بل هم أهل شك ونفاق، ولكنهم يخافونكم فيقولون بألسنتهم ما ليس فى قلوبهم.
(لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ) أي إنهم لشدة كرمهم للقتال معكم، ولبغض معاشرتهم إياكم، ولعظيم الخوف من ظهور نفاقهم لكم يتمنون الفرار منكم والعيش فى مكان يعتصمون به من انتقامكم منهم، فلو استطاعوا السكنى فى الحصون والقلاع، أو فى كهوف الجبال ومغاراتها، أو فى أنفاق الأرض وأسرابها- لولّوا إليه مسرعين كالفرس الجموح لا يردّهم شىء.
وإنما وصفهم الله سبحانه بتلك الأوصاف، لأنهم إنما أقاموا بين أظهر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مع كفرهم ونفاقهم وعداوتهم لهم، لأنهم كانوا بين عشيرتهم وفى دورهم وأموالهم، ولم يقدروا على ترك ذلك وفراقه، فصانعوا القوم بالنفاق ودافعوا عن أنفسهم وأموالهم وأولادهم بإخفاء الكفر ودعوى الإيمان، وفى أنفسهم ما فيها من البغض لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأهل الإيمان به وبالغ الحقد عليهم.