ثم ثنى بذكر أحوال الإنسان، ثم ثلّث بذكر أحوال الحيوان، ثم ربّع بذكر أحوال النبات، ثم اختتم القول بذكر أحوال العناصر الأربعة.
[الإيضاح]
(خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) أي خلق سبحانه العالم العلوي وهو السموات والعالم السفلى وهو الأرض بما حوت- بالحق أي على نهج تقتضيه الحكمة ولم يخلقهما عبثا، منفردا بخلقهما لم يشركه فى إنشائهما وإحداثهما شريك، ولم يعنه على ذلك معين، تعالى الله عن ذلك، إذ ليس فى قدرة أحد سواه أن ينشى السموات والأرض، فلا تليق العبادة إلا له.
وبعد أن ذكر أدلة الأكوان، ذكر خلق الإنسان، فقال:
(خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ) أي خلق الإنسان من نطفة أي من ماء مهين- خلقا عجيبا فى أطوار مختلفة، ثم أخرجه إلى ضياء الدنيا بعد ماتم خلقه، ونفخ فيه الروح، فغذاه ونماه ورزقه القوت، حتى إذا استقل ودرج نسى الذي خلقه خلقا سويا من ماء مهين، بل خاصمه فقال:«مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ» وعبد ما لا يضر ولا ينفع: «ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرّهم وكان الكافر على ربّه ظهيرا» .
(وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ) امتن سبحانه على عباده بما خلق لهم من الأنعام وهى الإبل والبقر والغنم كما تقدم تفصيل ذلك فى سورة الأنعام، إذ عدها ثمانية أزواج، وبما جعل لهم فيها من المنافع من الأصواف والأوبار والأشعار، لباسا وفراشا، ومن الألبان شرابا، ومن الأولاد أكلا.
(وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ) أي ولكم فى هذه الأنعام زينة حين تردّونها بالعشي من مسارحها إلى منازلها التي تأوى إليها، وحين إخراجها من مراحها إلى مسارحها، وخصص هذين الوقتين بالذكر، لأن الأفنية تتزين بها