فالمراد أنه حين وقع بصره عليها حال جريها كان يقول هذه الكلمة «إنّى أحببت حبّ الخير عن ذكر ربّى» وما زال يرددها حتى غابت عن عينيه بسبب الغبار من جهة، ولبعد المسافة من جهة أخرى.
وبعد أن اطمأن إلى حالها، وحمد جميل أمرها قال:
(رُدُّوها عَلَيَّ) فقد كفى ما قامت به من حضر دلت به على نجابتها وفراهتها، وأنها أهل لأن تقوم بما يطلب منها حين الملمّات، وفيها الكفاية وفوق الكفاية حين حلول الأزمات، من غزو وغيره.
ولما ارتاح إليها وسرّ بما بذلته من جهد، وما ينتظر منها إذا جدّ الجدّ- أظهر استحسانه لها ولفرسانها.
(فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ) أي فجعل يمسح سوقها وأعناقها إظهارا لكرامتها لديه، إذ هى أعظم الأعوان، فى دفع العدوان، ولا سيما وقد بلاها وخبر أمرها وعلم قوة أسرها، وأنها خلو من الأمراض التي قد تعوقها عن عملها حين البأساء.
والخلاصة- إن سليمان احتياطا للغزو أراد أن يعرف قوة خيوله التي تتكوّن منها قوة الفرسان، فجلس وأمر بإحضارها وإجرائها أمامه، وقال إنى ما أحببتها للدنيا ولذاتها، وإنما أحببتها لأمر الله وتقوية دينه، حتى إذا ما أجريت وغابت عن بصره، أمر راكضيها بأن يردوها إليه، فلما عادت طفق يمسح سوقها وأعناقها، سرورا بها وامتحانا لأجزاء أجسامها، ليعرف ما ربما يكون فيها من عيوب قد تخفى، فتكون سببا في عدم أدائها مهمتها على الوجه المرضى.