المراد بالذين كفروا هنا: من علم الله أن الكفر قد رسخ في قلوبهم حتى أصبحوا غير مستعدين للإيمان، بجحودهم بالنبي صلى الله عليه وسلم وبما جاء به بعد أن بلغتهم رسالته بلاغا صحيحا وعرضت عليهم الدلائل على صحتها للنظر والبحث، فأعرضوا عنها عنادا واستهزاء.
وسبب كفرهم:
(١) إما عناد للحق بعد معرفته وقد كان من هذا الصنف جماعة من المشركين واليهود في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كأبى لهب وأبي جهل والوليد بن المغيرة وأحبار اليهود.
(٢) وإما إعراض عن معرفته واستكبار عن النظر فيه.
والمعرضون عن الحق يوجدون في كل زمان ومكان، وهؤلاء إذا طاف بهم طائفه الحق لوّوا رءوسهم واستكبروا وهم معرضون، وفيهم يقول تبارك وتعالى:(إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ. وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ، وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) .
(سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ؟) سواء اسم بمعنى مستو كما قال تعالى: (إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ) والإنذار إخبار بشىء مع التخويف بما يترتب على فعله إن كان مذموما أو تركه إن كان محمودا، ويراد به هنا التخويف من عذاب الله وعقابه على فعل المعاصي.
(لا يؤمنون) جملة موضحة لتساوى الإنذار وعدمه في حقهم لا في حقه صلى الله عليه وسلم، ولا في حق الدعاة إلى دينه، إذ هم يدعون كل كافر إلى الدين الحق، لا فرق بين المستعد للإيمان وغير المستعد.