هناك حالا أخرى للنفس تنال فيها رغائبها، فى عالم أكمل من هذا العالم، عالم السعادة الروحية للمطيعين، وعالم الشقاء للجاحدين المعاندين.
وهذا القسم وأمثاله لم يطرق آذان العرب من قبل، فهم كانوا يقسمون بالأب والعمر والكعبة ونحو ذلك.
روى أن عدىّ بن أبى ربيعة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يوم القيامة متى يكون وما حاله وأمره فأخبره به، فقال: لو عاينت ذلك اليوم لم أصدقك ولم أومن بك، أو يجمع الله هذه العظام؟ فنزلت هذه الآيات، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول:«اللهم اكفنى شر جارى السوء» .
[الإيضاح]
(لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ. وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) أقسم سبحانه بيوم القيامة وعظيم أهواله، وبالنفس التواقة للمعالى التي تندم على الشر لم فعلته، وعلى الخير لم لم تستكثر منه، فهى لم تزل لائمة وإن اجتهدت فى الطاعة- لتبعثنّ ولتحاسبنّ على ما تفعلون.
وقال الفرّاء: ليس من نفس برّة ولا فاجرة إلا وهى تلوم نفسها، إن كانت عملت خيرا قالت هلّا ازددت، وإن كانت عملت سوءا قالت ليتنى لم أفعل، وعلى هذا فهو مدح للنفس، والقسم بها سائغ حسن اه.
وقسمه سبحانه بيوم القيامة لتعظيمه وتفخيم شأنه، ولله أن يقسم بما شاء من خلقه. قال سعيد بن جبير: سألت ابن عباس عن قوله «لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ» قال: يقسم ربك بما شاء من خلقه.
(أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ؟ بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ) أي أيظن ابن آدم أن لن نقدر على جمع عظامه بعد تفرقها؟ بلى نحن قادرون على ذلك وأعظم منه، فنحن قادرون على أن نسوى بنانه وأطراف يديه ورجليه، ونجعلهما