عن الحق، إذ هو لا يهتدى إلى الطريق الموصلة إليه، صدودا: أي إعراضا متعمدا عن قبول حكمك، إحسانا: أي فى المعاملة بين الخصوم، وتوفيقا: أي بينهم وبين خصومهم بالصلح، فأعرض عنهم: أي اصرف وجهك عنهم، وعظهم: أي ذكرهم بالخير على الوجه الذي ترقّ له قلوبهم، قولا بليغا: أي يبلغ من نفوسهم الأثر الذي تريد أن تحدثه فيها.
[المعنى الجملي]
بعد أن أوجب سبحانه فى الآية السالفة على جميع المؤمنين طاعة الله وطاعة الرسول ذكر فى هذه الآية أن المنافقين والذين فى قلوبهم مرض لا يطيعون الرسول ولا يرضون بحكمه بل يريدون حكم غيره. أخرج الطبراني عن ابن عباس قال «كان أبو برزة الأسلمىّ كاهنا يقضى بين اليهود فيما يتنافرون فيه، فتنافر إليه ناس من المسلمين فأنزل الله تعالى: ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا؟ - إلى قوله- إلا إحسانا وتوفيقا» .
وأخرج ابن جرير عن الشعبي قال: كان بين رجل من اليهود ورجل من المنافقين خصومة فقال اليهودي: أحاكمك إلى أهل دينك أو قال إلى النبي لأنه قد علم أنه لا يأخذ الرشوة فى الحكم فاختلفا ثم اتفقا على أن يأتيا كاهنا فى جهينة فنزلت.
[الإيضاح]
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ) أي انظر إلى عجيب أمر هؤلاء الذين يزعمون أنهم آمنوا بك وآمنوا بمن قبلك من الأنبياء ويأتون بما ينافى الإيمان، إذ الإيمان الصحيح بكتب الله ورسله يقتضى العمل بما شرعه الله على ألسنة أولئك الرسل وترك العمل مع الاستطاعة دليل على أن الإيمان غير راسخ فى نفس مدّعيه فكيف إذا عمل بضد ما شرعه الله؟ فهؤلاء المنافقون إذ هربوا من التحاكم إليك