للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المعنى الجملي]

عدد الله في هذه الآيات الثلاث بعض شناعاتهم المترتبة على كفرهم ونفاقهم، ففصل بعض خبائثهم وجناياتهم، وذكر بعض هفواتهم، ثم أظهر فسادها وأبان بطلانها، فحكى ما أسداه المؤمنون إليهم من النصائح حين طلبوا منهم ترك الرذائل التي تؤدى إلى الفتنة والفساد، والتمسك بأهداب الفضائل واتباع ذوى الأحلام الراجحة، والعقول الناضجة، ثم ما أجابوا به مما دل على عظيم جهلهم وتماديهم في سفههم وغفلتهم.

[الإيضاح]

(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) المنهي عنه هنا الأسباب المؤدية إلى الفساد من إفشاء أسرار المؤمنين إلى الكفار وإغرائهم بالمؤمنين، وتنفيرهم من اتباع محمد صلى الله عليه وسلم والأخذ بما جاء به من الإصلاح، إلى نحو أولئك من فنون الشر وصنوف الفتن، كما يقول إنسان لآخر: لا تقتل نفسك بيدك، ولا تلق بيديك إلى التهلكة، إذا أقدم على ما هذه عاقبته.

(قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ) أي لا شأن لنا إلا الإصلاح، فنحن بعيدون عن شوائب الإفساد باتباعنا رؤساءنا الذين استنبطوا تعاليمهم من الأنبياء، فكيف ندع ما تلقيناه منهم ونعتنق دينا جديدا لا عهد لنا به من قبل؟

وهكذا شأن المفسدين في كل زمان يدّعون في إفسادهم أنه هو الإصلاح بعينه، فإن كانوا على بينة من إفسادهم وضلالهم، فهم يدّعون ذلك ليبرئوا أنفسهم من وصمة الإفساد بالتمويه والخداع، وإن كانوا مسوقين إليه تقليدا للرؤساء، فهم يدّعونه عن اعتقاد، وإن كان السير على منهاجه مفسدا للأمة في الحقيقة والواقع، إذ هم عطّلوا وسائل البحث التي تميز الإصلاح من الإفساد، فهم بصدهم عن سبيل الإسلام الداعي

<<  <  ج: ص:  >  >>