التوراة، وكان المسيح قد أنذر اليهود بذلك، وكان هذا بإيعاز وتحريض من المسيحيين انتقاما منهم إذ أخرجوهم من ديارهم، وتحقيقا لوعيد المسيح، فتسللوا لواذا على قلتهم حتى وصلوا إلى رومية، فحرّضوا تيطس على غزوهم في بلادهم وكان له هوى في ذلك، فأجابهم إلى ما طلبوا وكان منه ما علمت.
[الإيضاح]
(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى فِي خَرابِها) أي وأىّ امرئ أشدّ تعديا وجراءة على الله ومخالفة لأمره، من امرئ منع من العبادة في المساجد، وسعى في خرابها بهدمها أو تعطيل شعائر الدين فيها، لما في ذلك من انتهاك حرمة الأديان المؤدّى إلى نسيان الخالق، وفشوّ المنكرات بين الناس، ونشر الفساد فى الأرض.
(أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ) أي أولئك المانعون ما كان ينبغى لهم أن يدخلوها إلا بخشية وخضوع، فكيف بهم دخلوها مفسدين ومخرّبين، فما كانت عبادة الله إلا نافعة للبشر، وما كان تركها إلا ضارّا لهم.
وقد توعدهم الله على ظلمهم بقوله:
(لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ) فخزى الدنيا بما يعقبه الظلم من الفساد المؤدّى إلى الذل والهوان، ولا ظلم أكبر من إبطال العبادة من المساجد والسعى فى خرابها، وقد تحقق ما أوعد به الله فحلّ بالرومانيين الخزي في الدنيا فتقسمت دولتهم، وتشتت ملكهم، ولحقهم الذلّ والهوان على يد غيرهم من الأمم القوية الفاتحة وعذاب الآخرة هو ما أعدّه الله للفجار في جهنم وبئس القرار.
(وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) أي له هاتان الجهتان المعلومتان لكل أحد، والمراد ربّ الأرض كلها، فهو كقوله:(رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ) .