بعد أن توعد من لم ينفروا مع الرسول وتثاقلوا حين استنفرهم- أتبعه بالأمر الجزم الذي لا هوادة فيه، فأوجب النفير العام على كل فرد، فلا عذر لأحد فى التخلف وترك الطاعة.
[الإيضاح]
(انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا) الخفاف واحدها خفيف، والثقال واحدها ثقيل، وهما يكونان فى الأجسام وصفاتها من صحة ومرض ونحافة وسمن ونشاط وكسل، وشباب وكبر، ويكونان فى الأسباب والأحوال كالقلة والكثرة فى المال، ووجود الراحلة وعدم وجودها، ووجود الشواغل أو انتفائها.
أي انفروا على كل حال من يسر أو عسر وصحة أو مرض وغنى أو فقر وقلة العيال أو كثرتهم أو غير ذلك مما ينتظم فى مساعدة الأسباب أو عدم مساعدتها بعد الإمكان والقدرة فى الجملة.
فإذا أعلن النفير العام وجب الامتثال إلا حال العجز التام، وهو ما بينه الله تعالى فى قوله:«لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ» .
ويؤيد هذا التعميم فى عموم الأحوال قول أبى أيوب الأنصاري وقد شهد المشاهد كلها إلا غزاة واحدة: قال الله (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا) فلا أجدنى إلا خفيفا أو ثقيلا، وروى عن أبى راشد الحرّانى قال: وافيت المقداد بن الأسود فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا على تابوت من توابيت الصيارفة بحمص- وقد فضل عنها من عظمه- يريد الغزو، فقلت قد أعذر الله إليك، فقال أبت علينا سورة البعوث (يريد براءة) انفروا خفافا وثقالا.