(وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ) أي وقال لهم نبيهم: إن من علامة عناية الله بطالوت عود التابوت إليكم، وفيه ما تطمئن به قلوبكم (وقد كان له عندهم شأن دينى خاص) وفيه بقية من رضاضة الألواح (فتاتها) وعصا موسى وثيابه وشىء من التوراة وأشياء توارثها العلماء من أتباع موسى وهرون، وقد أضيف إلى آل موسى وآل هرون، لأنه قد تناولته القرون بعدهما إلى وقت طالوت.
وفي صدور هذا القول من النبي دليل على أن بنى إسرائيل لم يقنعوا بما احتج به عليهم من استحقاق طالوت للملك للأسباب المتقدمة، ومن ثم جعل لهم علامة أخرى تدل على عناية ربه به.
وقد وصف التابوت في كتب بنى إسرائيل بأوصاف هى غاية في الغرابة في كيفية صنعه وجمال منظره، وما تحلّى به من الذهب ودخل في تركيبه من الخشب الثمينة.
والسبب في صنعه أن المصريين الوثنيين استعبدوا الإسرائيليين دهرا طويلا، فملكت قلوب بنى إسرائيل عظمة الهياكل الوثنية، وما فيها من الزينة وجمال الصنعة، فأراد الله أن يشغل قلوبهم عنها بمحسوسات من جنسها تنسب إليه وتذكّر به وقد سمى التابوت أولا تابوت الشهادة: أي شهادة الله سبحانه، ثم تابوت الربّ، وتابوت الله.
وقد جاء الإسلام بمنع الزخارف والزينة في المساجد وبيوت العبادة، حتى لا بشغل المصلى شىء منها عن مناجاة ربه.
ولكن وا أسفا قلّد المسلمون أرباب الملل الأخرى في الزّخرف والنقش في المساجد والمنابر، وأقيمت الأضرحة، ولبس رجال الدين مثل لباسهم، بل سبقوهم في كثير من ذلك، فأصبحت المساجد كأنها هياكل ومعابد للوثنيين، ونسوا أو تناسو