ذكر هنا شأنا آخر لهم، وهو أنهم كانوا أشد الناس حرصا على إضلال المؤمنين، فلا يدعون فرصة إلا انتهزوها بالتفنن في إلقاء الشبه في نفوس المؤمنين، وقد كان النزاع بالغا أشده بين الفريقين ولا غرابة في ذلك، فإن الدعوة إلى هذا الدين الجديد وجدت مقاومة من أهل الكتاب ومن المشركين.
أما أهل الكتاب فلأن فيه هدما لدينهم كما يزعمون، وأما المشركون فلأن للإلف والعادة سلطانا على النفوس، وهذه الدعوة دكّت حصون المعتقدات التي توارثوها عن أسلافهم الغابرين، ووجدوا عليها آباءهم من قبل كما حكى الله عنهم «إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ» .
روى أن هذه الآية نزلت في اليهود حين دعوا حذيفة وعمارا ومعاذا إلى اليهودية.
[الإيضاح]
(وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ) أي أحبت طائفة من الأحبار والرؤساء أن يوقعوكم في الضلال بإلقاء الشبهات التي تشككم في دينكم، وتردكم إلى ما كنتم عليه من الكفر.
(وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) إذ أنهم بعنايتهم بالإضلال، واشتغالهم به ينصرفون عن النظر في طرق الهداية، ويغضّون أبصارهم عما أوتيه النبي صلى الله عليه وسلم من الآيات البينات الدالة على نبوته، فهم يعبثون بعقولهم، ويفسدون فطرتهم باختيارهم (وَما يَشْعُرُونَ) أي وما يفطنون إلى سوء حالهم، وأنهم ألغوا عقولهم، فلم تفكر فى الحجج التي آتاها الله لنبيه، ولم تنظر إلى نور الحق الساطع الذي يهدى صاحبه إلى الصراط المستقيم.