بعد أن أمر سبحانه بالجهاد ورغب فيه أشد الترغيب، وذكر قلة رغبة المنافقين فيه، وسعيهم فى تثبيط المسلمين عنه، عاد هنا إلى الأمر به مرة أخرى.
[الإيضاح]
(فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ) أي وإذا أردت الفوز والظفر على الأعداء فقاتل فى سبيل الله امتثالا لأمره، وأنت لا تكلف إلا أفعال نفسك دون أفعال الذين قالوا: لم كتبت علينا القتال؟ والذين يقولون: لك طاعة ويبيتون غير ذلك، فمن أطاع الله لا يضيره عصيان من عصاه، وعليك أن تحث غيرك على القتال وتحرضه عليه، لا أن تلزمه ذلك بالقهر والجبروت.
وفى الآية إيماء إلى أنه صلى الله عليه وسلم كلّف قتال الكافرين الذين قاوموا دعوته بقوتهم وبأسهم وإن كان وحده، كما أنها تدل على أنه صلى الله عليه وسلم أعطى من الشجاعة ما لم يعط أحد من العالمين، وفى سيرته الشريفة أصدق الأدلة على ذلك، فقد تصدى لمقاومة الناس جميعا بدعوتهم إلى ترك ما هم عليه من الضلال، وحين قاتلوه قاتلهم، وقد انهزم عنه أصحابه فى أحد فبقى ثابتا كالجبل لا يتزلزل.
(عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا) عسى هنا للتهيئة والإعداد فهى بمعنى الخبر والوعد، وخبره تعالى حق فإنه لا يخلف الميعاد.
والمعنى- إن تحريض النبي للمؤمنين على القتال معه هو الذي يحملهم بباعث الإيمان والإذعان النفسي على الاستعداد له وتوطين النفس عليه، بينما هو يعدّ الكافرين لترك الاعتداء على المؤمنين وكف بأسهم عنهم، إذ لا شىء أدعى إلى ترك القتال من الاستعداد للقتال كما قال أبو تمام:
وأخافكم كى تغمدوا أسيافكم ... إن الدم المغبرّ يحرسه الدم