بعد أن مثّل سبحانه نفسه بمن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم، ومستحيل أن يكون كذلك إلا إذا كان كامل العلم والقدرة- أردف ذلك ما يدل على كمال علمه، فأبان أن العلم بغيوب السموات والأرض ليس إلا له، وما يدل على كمال قدرته، فذكر أن قيام الساعة فى السرعة كلمح البصر أو أقرب، ثم عاد إلى ذكر الدلائل على توحيده، وأنه الفاعل المختار، فذكر منها خلق الإنسان فى أطواره المختلفة، ثم الطير المسخّر بين السماء والأرض، وكيف جعله يطير بجناحين فى جو السماء ما يمسكه إلا هو بكامل قدرته.
[الإيضاح]
(وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي ولله علم ما غاب عن أبصاركم فى السموات والأرض مما لا اطلاع لأحد عليه إلا أن يطلعه الله، والمراد به جميع الأمور الغائبة عن علوم المخلوقين التي لا سبيل إلى إدراكها حسا ولا إلى فهمها عقلا.
(وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ) أي وما شأنها فى سرعة المجيء إلا كرجع الطرف من أعلى الحدقة إلى أسفلها، أو هو أقرب من هذا وأسرع، لأنه إنما يكون بقول (كُنْ فَيَكُونُ) .
ونحو الآية قوله «وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ» أي فيكون ما يريد كطرف العين.
وقريب من هذا قوله:«ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ» .
والخلاصة- إن قيام القيامة ومجىء الساعة التي ينتشر فيها الخلق للوقوف فى موقف الحساب- كنظرة من البصر، وطرفة من العين فى السرعة.
وخص قيام الساعة من بين الغيوب، لأنه قد كثرت فيه المماراة فى جميع