(ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ، وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ) أي لا ينبغى لأهل المدينة حاضرة الإسلام ومقر الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا من حولهم من الأعراب كمزينة وجهينة وأشجع وغفار وأسلم- أن يتخلفوا عن رسول الله، فى غزو فى سبيل الله كما فعل بعضهم فى غزوة تبوك، ولا فى غيره من شئون الأمة ومصالح الملة، ولا أن يفضّلوا أنفسهم على نفسه فيرغبوا فى الراحة والسلامة ولا يبذلوها فيما يبذل فيها نفسه الشريفة، بل عليهم أن يصحبوه فى البأساء والضراء وأن يكابدوا معه الأهوال برغبة ونشاط، علما بأنها أعز نفس على الله وأكرمها، فإذا تعرضت مع كرامتها للخوض فى شدة وهول وجب على سائر الأنفس أن تتهافت فيما تعرضت له، ولا يكترث لها أصحابها فضلا عن أن يربأوا بأنفسهم عن متابعتها، ويضنّوا بها على ما سمح بنفسه عليه.
والخلاصة- إن المتخلّف يفضل نفسه ويؤثرها على نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم التي لا يكمل إيمان أحد حتى يحبه أكثر من حبه لنفسه.
وفى ذلك نهى شديد عن عملهم، وتوبيخ لهم عليه، وتهيج لمتابعته صلى الله عليه وسلم بأنفة وحمّية.
(ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ، وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ) أي لم يكن لهم حق التخلف، بل يجب عليهم الاتباع بسبب أن كل ما يصيبهم فى جهادهم من أذى وإن كان قليلا كظمأ لقلة الماء، أو نصب لبعد الشّقة، أو لقلة الظهر، أو مجاعة لقلة الزاد، ومن إيذاء للعدو وإن صغر كوطء أرضه الذي يعده استهانة بقوته فيغيظه أن تمسّه أقدام المؤمنين أو حوافر خيولهم، أو النيل منه بجرح أو قتل أو أسر أو هزيمة أو غنيمة- إلا كتب لهم بكل واحد مما ذكر عمل صالح يجزى عليه بالثواب العظيم، وما أكثر هذه الأعمال الصالحات التي تشمل كل حركة من بطشة يد أو وطأة قدم أو عروض جوع أو عطش أو نحو ذلك.