وفى الآية إيماء إلى أن من قصد خيرا كان سعيه فيه من قيام أو قعود أو مشى أو كلام أو نحو ذلك مشكورا مثابا عليه، وإلى أن المدد القادم بعد انقضاء الحرب يشارك الجيش فى الغنيمة لأن وطء ديارهم مما يغيظهم، ولقد أسهم النبي صلى الله عليه وسلم لا بنى عامر وقد قدما بعد تقضّى الحرب.
ثم علل هذا الأجر العظيم بقوله:
(إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) أي إن الله لا يدع محسنا أحسن فى عمله فأطاعه فيما أمره وانتهى عما نهاه عنه- أن يجازيه على إحسانه ويثيبه على صالح عمله، ومن ثم كتب لمن أطاعه من أهل المدينة ومن حولهم من الأعراب الثواب على كل ما فعلوا فلم يضع لهم أجرا على عمل عملوه.
(وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً، وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ) أي كذلك شأنهم فيما ينفقون فى سبيل الله صغر أو كبر، قلّ أو كثر، وفى كل واد يقطعونه فى سيرهم غادين أو رائحين- إلا كتب لهم أجرهم على ذلك جزاء لهم على عملهم ولا يترك شىء منه أو ينسى.
(لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) أي ليجزيهم بكتابته فى صحف أعمالهم كأحسن ما يجزيهم على خير أعمالهم التي كانوا يعملونها، وهم مقيمون فى منازلهم.
وخلاصة ذلك- إنه تعالى يجزيهم بكل عمل مما ذكر جزاء أحسن من جزائهم على أعمالهم الجليلة فى غير الجهاد بالمال والنفس، بأن تكون النفقة الصغيرة فيه كالنفقة الكبيرة فى غيره من أنواع المبرات، والمشقة القليلة فيه كالمشقة الكبيرة فما عداه من الأعمال الصالحات.