أما حقيقتهما النوعية والجنسية فهى مساوية لحقيقة غيرهما من أفراد نوعهما وجنسهما فهما يأكلان الطعام ليقيما بنيتهما ويمدّا حياتهما لئلا ينحل بدنهما ويهلكا، وكذلك يعرض لهما ما يستلزمه أكل الطعام من الحاجة إلى دفع الفضلات، فلا يمكن أن يكون كل منهما إلها خالقا ولا ربا معبودا، ومن السفه أن يحتقر الإنسان نفسه ويحتقر جنسه ويرفع بعض المخلوقات المساوية له فى الماهية والمشخصات والممتازة بميزات عرضية فيجعل نفسه عبدا لها ويسميها آلهة أو أربابا.
وبعد أن بين حالهما بيانا لا يحوم حوله شائبة من الريب، تعجب من حال من يدّعى لهما الربوبية ولا يرعوى عن غيه وضلاله ولا يتأمل فيما هو عليه من أفن الرأى والخطأ، فقال:
(انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) الآيات هى الدلائل القاطعة ببطلان ما يدّعون، ويؤفكون أي يصرفون عن التأمل فيها لسوء استعدادهم وخبث نفوسهم.
أي انظر أيها السامع نظرة عقل وفكر، كيف نبين لهؤلاء النصارى الآيات والبراهين البالغة أقصى الغايات فى الوضوح على بطلان ما يدّعون فى أمر المسيح ثم هم بعد ذلك يعرضون عنها، وكيف لا ينتقلون من مقدماتها إلى نتائجها، ومن مباديها إلى غاياتها، فكأنهم فقدوا عقولهم وصارت أفئدتهم هواء.