للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالآب عين الابن وعين روح القدس، ولما كان المسيح هو الابن كان عين الآب وروح القدس أيضا، وقد ذكرنا فيما سلف أن النصارى أخذوا عقيدة التثليث من قدماء الوثنيين.

ثم ردّ الله عليهم ما قالوه بلا روية ولا بصيرة، فقال:

(وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ) أي ولا يوجد إله إلا من اتصف بالوحدانية وهو الإله الذي لا تركيب فى ذاته ولا فى صفاته، فليس ثمّ تعدد ذوات وأعيان، ولا تعدد أجناس وأنواع، ولا تعدد جزئيات وأجزاء.

ثم توعدهم على هذه المقالة فقال:

(وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) أي وإن لم يتهوا عن قولهم بالتثليث ويتركوه، ويعتصموا بعروة التوحيد ويعتقدوه، فو الله ليصيبّهم عذاب شديد يوم القيامة جزاء كفرهم.

وفى الآية إيماء إلى أن هذا العذاب لا يمس إلا الذين كفروا منهم خاصة دون من تاب وأناب إلى الله تعالى ورجع عن عقيدة التثليث وغيرها.

ثم تعجب من حالهم بإصرارهم على التثليث بعد أن ظهرت لهم البينات، وقامت عليهم الحجج المبطلة له، والنذر بالعذاب المرتب عليه، فقال:

(أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ؟) أي أيسمعون ما ذكر من التفنيد لآرائهم والوعيد عليها، ثم لا يحملهم ذلك على التوبة والرجوع إلى التوحيد واستغفار الله عما فرط منهم، والحال أن ربهم واسع الرحمة عظيم المغفرة يقبل التوبة من عباده ويغفر لهم ما فرط من الزلات إذا هم آمنوا وأحسنوا واتقوا وعملوا الصالحات.

ثم ذكر أن المسيح رسول كغيره من الرسل وأقام الدليل على ذلك فقال:

(مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ) أي ليس المسيح إلا رسول من الرسل الذين بعثهم الله لهداية عباده، قد مضت من قبله رسل اختصهم مثله بالرسالة وأيدهم بالآيات، وأمه صديقة فلها فى الفضل مرتبة

<<  <  ج: ص:  >  >>