للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الإيضاح]

(وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ) أي كما أرقدنا هؤلاء الفتية فى الكهف، وحفظنا أجسامهم من البلى على طول الزمان، وثيابهم من العفن على مرّ الأيام بقدرتنا- بعثناهم من رقدتهم، وأيقظناهم من نومهم، لنعرّفهم عظيم سلطاننا، وعجيب فعلنا فى خلقنا.

وليزدادوا بصيرة فى أمرهم الذي هم عليه، من براءتهم من عبادة الآلهة، وإخلاصهم العبادة لله الواحد القهار، إذا تبينوا طول الزمان عليهم وهم بهيئتهم حين رقدوا.

(لِيَتَسائَلُوا بَيْنَهُمْ قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ؟) أي ولتكون عاقبة أمرهم أن يسأل بعضهم بعضا، فيقول قائل منهم لأصحابه: كم لبثتم؟ ذاك أنهم استنكروا من أنفسهم طول رقدتهم.

(قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) أي فأجابه الآخرون، فقالوا لبثنا يوما أو بعض يوم ظنا منهم أن ذلك كذلك كان.

وإيضاح هذا أنهم لم يتحققوا مقدار لبثهم، فهم لا يدرون مقدار ذلك اللّبث، أيوم هو أو بعض يوم، لأن لوثة النوم وظواهره لم تذهب من بصرهم وبصيرتهم، فلم ينظروا إلى الأمارات التي تدل على ذلك المقدار الذي يظنّ، أنه قد كان.

وأكثر المفسرين على أن دخولهم فى الكهف كان أول النهار واستيقاظهم كان آخر النهار.

(قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ) أي وقال آخرون: ربكم أعلم بما لبثتم أي أنتم لا تعلمون مدة لبثكم، بل الله هو الذي يعلمها، وهذا من الأدب البارع فى الرد على الأولين بأحسن أسلوب وأجمل تعبير.

وحين علموا أن الأمر ملتبس عليهم عدلوا إلى الأهم فى أمرهم وهو احتياجهم إلى الطعام والشراب فقالوا:

(فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ) أي فابعثوا بدراهمكم هذه إلى المدينة وهى طرسوس كما جزم بذلك فخر الدين الرازي.

<<  <  ج: ص:  >  >>