(أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ) أي هل عرفت ذلك الذي يكذب بما وراء إدراكه من الأمور الإلهية، والشئون الغيبية، بعد أن ظهر له بالدليل القاطع، والبرهان الساطع، فإن كنت لا تعرفه بذاته، فاعرفه بصفاته وهى:
(١)(فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ) أي فذلك المكذب بالدين هو الذي يدفع اليتيم ويزجره زجرا عنيفا إن جاء يطلب منه حاجة، احتقارا لشأنه وتكبرا عليه.
(٢)(وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) أي ولا يحث غيره على إطعامه، وإذا كان لا يحث غيره على ذلك ولا يدعو إليه، فهو لا يفعله بالأولى.
وفى هذا توجيه لأنظارنا إلى أنا إذا لم نستطع مساعدة المسكين كان علينا أن نطلب من غيرنا معونته ونحثه على ذلك كما تفعل جماعات الخير:«الجمعيات الخيرية» .
وقصارى ما سلف- إن للمكذب بالدين صفتين: أولاهما أن يحتقر الضعفاء ويتكبر عليهم. وثانيتهما أن يبخل بماله على الفقراء والمحاويج، أو يبخل بسعيه لدى الأغنياء، ليساعدوا أهل الحاجة ممن تحقق عجزهم عن كسب ما ينقذهم من الضرورة، ويقوم لهم بكفاف العيش.
وسواء أكان المحتفر للحقوق، البخيل بالمال والسعى لدى غيره مصليا أو غير مصلّ فهو فى وصف المكذبين، ولا تخرجه صلاته منهم، لأن المصدق بشىء لا تطاوعه نفسه على الخروج مما صدّق به، فلو صدّق بالدين حقا لصار منكسرا متواضعا لا يتكبر على الفقراء ولا ينهر المساكين ولا يزجرهم فمن لم يفعل شيئا من ذلك فهو مراء فى عمله، كاذب فى دعواه، ومن ثم قال سبحانه:
(فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ. الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ) أي فعذاب لمن يؤدى الصلاة بجسمه ولسانه من غير أن يكون لها أثر فى نفسه، ومن غير أن تؤتى ثمرتها التي