(لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) أي لكن الذين اتقوا ربهم بفعل الطاعات وترك المنهيات، لهم جنات النعيم خالدين فيها أبدا.
ونحو الآية قوله تعالى:«إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا» وفى الآية إيماء إلى أن النازلين فيها ضيوف عند ربهم يحفهم بلطفه، ويخصهم بكرمه وجوده، وهذه الجنات نعيم جسمانى لهم، وهناك نعيم روحانى أعطاه الله بمحض الفضل والإحسان وإليه الإشارة بقوله:
(وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ) أي وما عنده من الكرامة فوق ما تقدم خير وأفضل يتقلب فيه الذين كفروا من المتاع القليل الفاني.
(وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا) بعد أن بين حال المؤمنين وما أعدّ لهم من الثواب وحال الكافرين وما هيأ لهم من العقاب، ذكر هنا حال فريق من أهل الكتاب يهتدون بهذا القرآن وكانوا من قبله مهتدين بما عندهم من هدى الأنبياء وقد وصفهم الله بصفات كلها تستحق المزية والشرف:
الأولى: الإيمان بالله إيمانا لا تشوبه نزعات الشرك ولا يفارقه الإذعان الباعث على العمل، لا كمن قال الله فيهم «وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ» .
الثانية: الإيمان بما أنزل إلى المسلمين، وهو ما أوحاه الله إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
الثالثة: الإيمان بما أنزل إليهم وهو ما أوحاه الله إلى أنبيائهم، والمراد به الإيمان إجمالا وما أرشد إليه القرآن تفصيلا فلا يضير فى ذلك ضياع بعضه ونسيان بعضه الآخر.
الرابعة: الخشوع وهو الثمرة للإيمان الصحيح فإن الخشوع أثر خشية الله فى القلب ومنه تفيض على الجوارح والمشاعر، فيخشع البصر بالانكسار، ويخشع الصوت بالخفوت والتهدج.