يخفونه، ولا يظهر الكثير مما يكتمونه، وإنما لم يظهره لأنه لا حاجة إلى إظهاره فى الدين، والفائدة فى ذكر بعضه إعلامهم بأن الرسول عالم بكل ما يخفونه، فيكون ذلك داعيا لترك الإخفاء حتى لا يفتضحوا ومن شأن علماء السوء فى كل أمة أن يكتموا من العلم ما يكون حجة عليهم وكاشفا عن سوء حالهم، أو يحرّفوه بحمله على غير ظاهر معناه.
(قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ) النور هو النبي صلى الله عليه وسلم، وسمى بذلك لأنه للبصيرة كالنور للبصر، فكما أنه لولا النور ما أدرك البصر شيئا من المبصرات، كذلك لولا ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من القرآن والإسلام لما أدرك ذو البصيرة من أهل الكتاب ولا من غيرهم حقيقة الدين الحق، ولا ما طرأ على التوراة والإنجيل من ضياع بعضها أو نسيانه، وعبث الرؤساء بالبعض الآخر بإخفاء شىء منه أو تحريفه، ولظلّوا فى ظلمات الجهل والكفر لا يبصرون.
والكتاب المبين: هو القرآن الكريم وهو بيّن فى نفسه، مبيّن لما يحتاج إليه الناس لهدايتهم.
(يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) قوله: من اتبع رضوانه، أي من كان همه من الدين ابتغاء رضوان الله، لا تقرير ما ألفه ونشأ عليه وأخذه من أسلافه مع ترك النظر والاستدلال، والسلام بمعنى السلامة: أي طرق السلامة من كل مخافة، وقوله من الظلمات إلى النور: أي من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان، وقوله: بإذنه أي بإرادته أو بتوفيقه بالجري على سننه تعالى فى تأثير الأعمال الصالحة والعقائد الصحيحة فى النفوس وإصلاحها إياها، وقوله: إلى صراط مستقيم، أي إلى الدين الحق لأنه واحد ومتفق من جميع جهاته أما الباطل فمتعدد الطرق، وكلها معوجة ملتوية.
وقد ذكر سبحانه للكتاب ثلاث فوائد:
١) إن المتبع لما يرضى الله بالإيمان بهذا الكتاب- يهديه إلى الطرق التي يسلم بها فى الدنيا والآخرة من كل ما يبعده عن الشقاء والهلاك، فيقوم فى الدنيا بحقوق الله