إلى أن هذه المقابلة عامة لكل موحد ومشرك لا خاصة به وبهم، والبعد عن التصريح بخطئهم الذي ربما يدعو إلى اللجاج والعناد، والاحتراس من تنفيرهم من الإصغاء إلى قوله:
(إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أي إن كنتم من أهل العلم والبصيرة فى هذا الأمر فأخبرونى بذاك وبينوه بالأدلة- وفى هذا إلجاء لهم إلى الاعتراف بالحق أو السكوت على الحمق والجهل.
ثم بين سبحانه الحقيق بالأمن على سبيل التفصيل فقال:
(الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) المراد بالظلم الذي يلبس به المرء إيمانه بالله ويخلطه به فينقص منه أو ينقصه هو الشرك فى العقيدة أو العبادة كاتخاذ ولى من دون الله يدعى معه أو من دونه، فيعظّم كتعظيمه ويحبّ كحبه، للاعتقاد أن له نفعا أو ضرا بذاته أو بتأثيره فى مشيئة الله وقدرته، لا ظلم الإنسان نفسه بفعل بعض المضارّ أو ترك بعض المنافع عن جهل أو إهمال، ولا ظلمه لغيره ببعض التصرفات والأحكام، يدل على هذا التفسير ما
رواه أحمد والبخاري ومسلم والترمذي وغيرهم من حديث ابن مسعود قال: لما نزلت هذه الآية شق ذلك على الناس وقالوا يا رسول الله وأيّنا لا يظلم نفسه؟ فقال صلى الله عليه وسلم: إنه ليس الذي تعنون، ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح «يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ»
إنما هو الشرك. والمراد بالأمن الأمن من عذاب الله الذي يحل بمن لا يرضى إيمانه ولا عبادته.
أي إن الذين آمنوا بالله تعالى ولم يخلطوا إيمانهم بظلم عظيم وهو الشرك به سبحانه وتعالى، أولئك لهم الأمن دون غيرهم من الخلود فى دار العذاب، وهم فيما وراء ذلك بين الخوف والرجاء.
وهذا جواب من الله به فصل القضاء بين إبراهيم ومن حاجّه من قومه كما اختاره بن جرير ونقله عن ابن إسحاق وابن زيد من المفسرين.