به، قد فضلنى عليكم بما هدانى إلى التوحيد الخالص وبما بصّرنى به من الحجة التي أقمتها عليكم، وأنتم الضالون بإصراركم على شرككم وتقليدكم فيه من قبلكم؟.
(وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ) أي ولا أرهب من آلهتكم التي تدعونها من دون الله سوءا ينالنى فى نفسى، ذلك أنى أعتقد أنها لا تضر ولا تنفع، ولا تبصر ولا تسمع، ولا تقرّب ولا تشفع.
(إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً) أي لا أخاف ما تشركون به فى وقت من الأوقات إلا وقت مشيئته تعالى إصابة مكروه لى من جهتها، فإنه يقع لا محالة كما شاء ربى، فإن شاء أن يسقط علىّ صنم يشجّنى، أو كسف من شهب الكواكب يقتلنى، فإن ذلك يقع بقدرة ربى ومشيئته لا بمشيئة الصنم أو الكواكب ولا بقدرته ولا بتأثيره فى قدرته تعالى وإرادته ولا بجاهه عنده وشفاعته، إذ لا تأثير لشىء من المخلوقات فى مشيئة الله الجارية إلا بما يثبت فى علمه الأزلى.
ثم أتى بما هو كالعلة لما قبله فقال:
(وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً) أي أحاط بكل شىء علما، فلا يبعد أن يكون فى علمه سبحانه إنزال المكروه بي من جهتها بسبب من الأسباب.
(أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ؟) أي أتعرضون بعد ما أوضحته لكم عن التأمل فى أن آلهتكم ليس بيدها نفع ولا ضر، فلا تتذكرون أيها الغافلون أنها غير قادرة على ضرّى ولا على إيصال النفع إليكم، فالسلطة العليا له وحده ليس لغيره تأثير فيها ولا تدبير، فإذا أعطى بعض المخلوقات شيئا من النفع أو الضر فلا يكون ذلك داعيا لرفعها عن رتبة المخلوقات، وجعلها أربابا ومعبودات.
وكان يجب أن يفطن لذلك العقلاء ويتذكروه، لأنه تذكير بما يدركه العقل بالبرهان، ويهدى إليه الوجدان.
ومما يجب أن يتنبه له كثير من الذين ينتمون إلى ملة التوحيد أن هذا الضرب من الشرك الذي نعاه إبراهيم على قومه- لا يزال فاشيا بينهم فهم يعتقدون فى بعض المخلوقات