ومنهم الموسر والمعسر وصاحب الثروة وذو الفقر المدقع، فوجب أن يقوم أغنياؤهم بكفالة فقرائهم وجوبا دينيا إذا كانت الزكاة المعينة لا تكفيهم.
ولا شك أن الأسس الإصلاحية للمال التي وضعها الإسلام لا يتسنى لأقدر الأمم المالية فى العصر الحاضر أن تضع خيرا منها، انظر إليه تره حرّم الربا والقمار، لما أنهما يوجدان التنازع والتخاصم بين الناس وإن كان فيهما بعض المكاسب، وأوجب الحجر على السفهاء فى أموالهم صيانة لها عن الضياع فيما يضرهم ويضر أمتهم، وفرض النفقة الزوجية والنفقة على ذوى القرابة من ذوى الحاجة، وذم الإسراف والتبذير والبخل والجشع والتقتير ومدح القصد والاعتدال فى النفقة على النفس والعيال، وأباح الزينة والطيبات من الرزق بشرط اجتناب الإسراف حفظا للثروة من الضياع وبعدا عن الأمراض والأدواء البدنية، وجعل زكاة النقدين الواجبة هى ربع العشر أي ١- ٤٠ وهو أوسط ربح تدفعه المصارف المالية لمودعى نقودهم فيها للاستغلال.
انظر إلى الثروة فى مصر نقدا وتجارة وتأمل مقدار ربع العشر الواجب فيها فى كل عام لفقرائها ومرافقها العامة، ثم قدّر فى نفسك إذا هى قامت بالواجب الديني عليها فى الزكاة، هل يكون فيها فقر مدقع أو شقاء بين أفراد الأمة، هل تتصور أن تنتشر فيها الأمراض المعدية أو يخيم على أفرادها الجهل، أو ترتكب فيها جنايات السرّاق وقطاع الطرقات وذوى الخيانة والغدر، أظن أن الجواب على ذلك: لا.
وقد جاء فى الكتاب والسنة الترغيب فى بذل المال فى سبيل البر وجعله علامة من علامات الإيمان الموجبة لثواب الرحمن والدخول فى غرفات الجنان، ولم يجىء مثل ذلك فى أي نوع من أنواع البر وضروب الإحسان.
(أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ) أي ألم يعلم أولئك التائبون من ذنوبهم أن الله هو الذي يقبل توبة التائبين من عباده، ولم يجعل ذلك لأحد من خلقه لا رسول ولا من دونه.