وفى هذا دليل على ما أنعم الله به عليهم من القوة والعقل وحسن التدبير.
(وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ) أي وفرعون ذى المبانى العظيمة التي شادها هو ومن قبله من فراعنة مصر فى قديم الأزمان كالأهرام وغيرها وما أجمل التعبير عما تركه المصريون من الأبنية الباقية بالأوتاد، فإن شكل هياكلهم العظيمة شكل الأوتاد المقلوبة، إذ يبتدئ البناء عريضا وينتهى بأدق مما بدأ.
ثم وصف من سبق ذكرهم بأقبح الأوصاف فقال:
(الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ. فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ) أي هؤلاء الذين سلف ذكرهم من عاد وثمود وفرعون قد استعملوا سلطانهم وقوتهم فى هضم حقوق الناس، واغتروا بعظيم قدرتهم، فكانوا سببا فى إفساد البلاد.
ذاك أن من اغتر بنفسه وتهاون بحقوق غيره واعتدى عليها، وأخذ ما ليس له ولم يعط الذي عليه- يكون قد فكك شمل الجماعة وأفسد فى البلاد، فيختل نظام العمران، ويقف دولاب التعامل، ويوجس كل امرئ خيفة من بنى جلدته، ولا شك أن أمما هذه حالها تكون عاقبتها الخراب والدمار، ومن ثم ذكر عاقبة أمرها فقال:
(فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ) أي فأنزل الله تعالى بهم ألوانا من البلاء، وشديد العقاب.
وقد شبه سبحانه ما أوقعه بهم من صنوف العذاب، وما صبّه عليهم من ضروب الهلاك- بالسوط، من قبل أن السوط يضرب به فى العقوبات، والله يوقع العذاب بالأمم عقوبة لها على ما يقع منها من أنواع التفريط فى أوامر دينه.
ثم ذكر العلة فى تعذيبه لهم فقال:
(إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ) أي إن شأن ربك ألا يفوته من شئون عباده نقير