والخلاصة- إن الرسول ليس عليه إلا البلاغ لدين الله وشرعه، وبعدئذ يكون المبلغون هم المسئولين عند الله، والله الذي يعلم ما يبدون وما يكتمون من العقائد والأقوال والأفعال، وهو الذي يجازيهم بحسب علمه المحيط بكل ذرة فى الأرض والسموات، ويكون جزاؤه حقا وعدلا ويزيد بعد ذلك من إحسانه عليه وفضله، فاطلبوا سعادتكم من أنفسكم وخافوا منها عليها.
وما ورد من الشفاعة فى الآخرة فهو دعاء من النبي صلى الله عليه وسلم يستجيبه الله فيظهر عقبه ما سبق به علمه واقتضته حكمته بحسب ما جاء فى كتابه، دون أن يكون مؤثرا فى علم الله ولا فى إرادته، فالحادث لا يؤثر فى القديم.
وبعد أن بين سبحانه أن الجزاء منوط بالأعمال أراد أن يبين ما يتعلق به الجزاء من صفات الأعمال والعاملين لها وأرشد إلى أن هناك حقيقتين مختلفتين يترتب على كل منهما ما يليق بها من الجزاء فقال:
(قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ) أي قل أيها الرسول مخاطبا أمتك: لا يستوى الرديء والجيد من الأشياء والأعمال والأموال، فلا يتساوى الضار والنافع ولا الفاسد والصالح، ولا الحرام والحلال، ولا الظالم والعادل فلكل منها حكم يليق به عند الله الذي يضع كل شىء فى موضعه بحسب علمه.
(وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ) أي ولو أعجبك أيها السامع كثرة الخبيث من الناس أومن الأموال المحرمة لسهولة تناولها والتوسع فى التمتع بها كأكل الربا والرشوة والخيانة.
والخلاصة- إنهما لا يستويان لا فى أنفسهما ولا عند الله، ولو فرض أن كثرة الخبيث أعجبتك وغرّتك، فصرت بعيدا عن إدراك تلك الحقيقة- وهى أن القليل من الحلال خير من كثير الحرام حسن عاقبة فى الدنيا والآخرة ألا ترى أن القليل الجيد من الغذاء أو المتاع خير من الكثير الرديء الذي لا يغنى غناءه ولا يفيد فائدته، بل ربما يضر ويؤذى صاحبه.