وقال الرازي: إن النبي صلى الله عليه وسلم وادع وقت خروجه إلى مكة هلال بن عويمر الأسلمى على ألا يعينه ولا يعين عليه، وعلى أن كل من وصل إلى هلال ولجأ إليه فله من الجوار مثل ما لهلال.
ثم بين سبحانه حال جماعة آخرين وبالغ فى ذمهم فقال:
(سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ) هؤلاء فريق ممن لم يهتدوا بالإسلام ولم يتصدوا إلى مجالدة أهله وقتالهم فكانوا مذبذبين بين المؤمنين والكافرين، فهم قد غلت عليهم أرواحهم، ورخصت عليهم عقولهم، يظهرون لكل من الفئتين أنهم منهم أو معهم وقد روى عن مجاهد أن ناسا كانوا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيسلمون رياء، ثم يرجعون إلى قريش فيرتكسون فى الأوثان، يبتغون بذلك أن يأمنوا هاهنا وهاهنا فأمر بقتالهم إن لم يعتزلوا ويصلحوا.
(كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيها) أي كلما دعوا إلى الشرك (كما روى عن السدى) أركسوا فيه وتحولوا إليه أقبح تحول، فهم يريدون أن يأمنوا جانب المسلمين.
إما بإظهار الإسلام، وإما بالعهد على السلم وترك القتال ثم يفتنهم المشركون أي: يحملونهم على الشرك أو على مساعدتهم على قتال المسلمين، فيرتكسون ويتحولون شر التحول معهم، وهكذا يفعلون ذلك المرة بعد المرة، فهم قد مردوا على النفاق.
وقد بين الله حكمهم بقوله:
(فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ) أي فإن لم يعتزلوكم ويتركوكم وشأنكم ويلتزموا الحياد ويلقوا إليكم السلم: أي زمام المسالمة على الطريق التي ترونها نافعة لكم، ويكفوا أيديهم عن القتال مع المشركين أو عن الدسائس- فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم فلا علاج لهم غير ذلك كما ثبت بالتجارب والاختبار.
(وَأُولئِكُمْ جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطاناً مُبِيناً) أي وأولئكم جعلنا لكم عليهم حجة واضحة، وبرهانا ظاهرا على قتالهم.