تقدرون فيه على إقامة الدين وتحرروا أنفسكم من رق الذل الذي لا يليق بالمؤمن، ولا هو من خصاله.
(فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ) أي إن أولئك الذين فصّلت حالهم الفظيعة نسكنهم فى الآخرة جهنم لتركهم ما كان مفروضا عليهم، إذ كانت الهجرة واجبة فى صدر الإسلام.
(وَساءَتْ مَصِيراً) أي وقبحت جهنم مصيرا لهم، لأن كل ما فيها يسوءهم، وفى هذا إيماء إلى أن الرجل إذا كان فى بلد لا يتمكن فيه من إقامة دينه كما يجب لبعض الأسباب، أو علم أنه فى غير بلده أقوم بحق الله وأدوم على العبادة وجبت عليه الهجرة.
أما المقيم فى دار الكفر ولا يمنع ولا يؤذى إذ هو عمل بدينه وأقام أحكامه بلا نكير فلا يجب عليه أن يهاجر، كما هو مشاهد من المسلمين المقيمين فى بلاد الإنكليز الآن، إلى أن الإقامة فيها ربما كانت سببا من أسباب ظهور محاسن الإسلام وإقبال الناس عليه.
(إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ) أي إن أولئك الذين اعتذروا عن عدم إقامة دينهم وعدم الفرار به هجرة إلى الله ورسوله غير صادقين فى اعتذارهم.
أما الاستضعاف الحقيقي فهو عذر مقبول كأولئك الشيوخ الضعفاء والعجزة كعياش بن أبى ربيعة وسلمة بن هشام، والنساء كأم الفضل أم عبد الله بن عباس، والولدان كعبد الله المذكور وغيره.
(لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا) أي إنهم قد ضاقت بهم الحيل فلم يستطيعوا ركوب واحدة منها، وعمّيت عليهم الطرق فلم يهتدوا طريقا منها، إما للعجز كمرض وزمانة، وإما للفقر، وإما للجهل بمسالك الأرض ومضايقها بحيث لو خرجوا لهلكوا كما قالوا فى أمثالهم «قتلت أرض جاهلها» وقد أثر عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال: كنت أنا وأمي من المستضعفين الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون إلى الهجرة سبيلا، والمراد بالولدان هنا المراهقون الذين قربوا من البلوغ وعقلوا ما يعقل