ثم رغبهم فى المغفرة فقال:
(إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) أي إنه تعالى مبالغ فى المغفرة والرحمة لمن استغفره.
(وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ)
هذا الخطاب وجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو أعدل الناس وأكملهم مبالغة فى التحذير من هذه الخلة المعهودة فى كثير من الحكام، وسمى خيانة غيرهم خيانة لأنفسهم، لأن ضررها عائد إليهم، والذين يختانون هم هذا السارق ومن عاونه، لأنه شريك له فى الإثم والخيانة، ولهم نظراء فى كل زمان ومكان.
وخلاصة المعنى- لا تدافع عن هؤلاء الخونة ولا تساعدهم عند التخاصم.
(إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً)
المراد بعدم الحب البغض والسخط: أي إن الله يبغض من اعتاد الخيانة وألفت نفسه اجتراح السيئات وضريت عليها ولم يعدّ للعقاب الإلهىّ الرهبة والخشية التي ينبغى أن يفكّر مثله فيها، وإنما يحب الله أهل الأمانة والاستقامة.
ثم بين أحوال الخائنين، ونعى عليهم أفعالهم فقال:
(يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ)
أي إن شأن هؤلاء الخوانين أنهم يستترون من الناس عند اجتراحهم الآثام إما حياء وإما خوفا من ضررهم، ولا يستترون من الله ولا يستحيون منه بتركها لضعف إيمانهم، إذ الإيمان يمنع من الإصرار وتكرار الذنب ولا تقع الخيانة من صاحبه إلا عن غفلة أو جهالة عارضة لا تدوم، فمن يعلم أن الله يراه فى حنادس الظلمات لا بد أن يترك الذنب والخيانة حياء منه تعالى وخوفا من عقابه، وهو تعالى شاهدهم حين يدبرون ليلا ما لا يرضى من القول، تبرئة لأنفسهم ورمى غيرهم بجريمتهم.
ثم توعدهم على عظيم جرمهم فقال:
(وَكانَ اللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً)
أي حافظا لأعمالهم، لا يعزب عنه مثقال ذرة فى السموات ولا فى الأرض، فلا سبيل إلى نجاتهم من عقابه.
ثم حذر المؤمنين من مساعدة هؤلاء الخوانين والحدب عليهم فقال: