فالصدقة وهى من الخير قد يؤذى إظهارها المتصدّق عليه ويضع من كرامته، ومن ثم قال عز من قائل «إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ، وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ» .
وقد يكون الجهر بالأمر بها والحث عليها أشد إيذاء وإهانة من إيتائه إياها جهرا ولومع الإخلاص وابتغاء مرضاة الله.
وكذلك الأمر بالمعروف على مسمع من الناس فكثيرا ما يستاء منه المأمور به ولا سيما إذا كان الآمر من أقرانه لأنه يرى فى أمره إياه استعلاء عليه بالعلم والفضل وإبهاما له بالتقصير أو الجهل، فمن ثم كانت النجوى به أبعد عن الإيذاء، ومثله الإصلاح بين الناس، فإنه ربما ترتب على إظهاره والتحدث به كثير من الشر، ألا ترى أن بعض الناس إذا علم أن ما يطالب به من الصلح كان بأمر فلان من الناس لا يستجيب ولا يقبل، أو يصده عن الرضا به ذكره بين الناس وعلمه بأنه كان بسعى وتواطؤ.
أخرج البيهقي عن أبى أيوب الأنصاري: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له «يا أبا أيوب، ألا أدلك على صدقة خير لك من حمر النّعم؟ فقال بلى يا رسول الله، قال تصلح بين الناس إذا تفاسدوا، وتقرّب بينهم إذا تباعدوا»
وعن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أفضل الصدقة إصلاح ذات البين» .
(وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) أي ومن يفعل هذه الأعمال الثلاثة من الطاعات لوجه الله وطلب مرضاته فإن الله سيؤتيه الثواب العظيم والأجر الجزيل، وإنما تنال مرضاة الله بالشيء إذا فعل على الوجه الذي يحصل به الخير ويتم به النفع الذي شرع لأجله، وبذا ترقى روح الفاعل له ارتقاء تصل به إلى ذلك الفضل وتنال قربا معنويا من الله وتصير أهلا للجزاء الأوفى فى حياة أشرف من هذه الحياة وأرقى.