فيجب علينا أن نحدد معناها والمراد منها، وهل تكون في الآخرة كما هى فى الدنيا.
الشفاعة المعروفة في دنيانا أن يحمل الشفيع من يشفع عنده على فعل أو ترك كان يريد غيره، فلا تتحقق فائدة الشفاعة إلا بترك ما أراده المشفوع لديه، وفسخ ما عزم عليه لأجل الشفيع، والحاكم العادل لا يقبل الشفاعة بهذا المعنى، ولكن يقبلها الحاكم الظالم المستبد فيقضى بما يعلم أنه ظلم وأن العدل خلافه، ويفضل ارتباطه بأواصر القربى أو الصداقة للشافع على العدالة، ومثل هذا محال في الآخرة على المولى جلّ وعلا، لأن إرادته بحسب علمه الأزلى الذي لا تغيير فيه ولا تبديل، وإذا فما ورد من الأحاديث يكون من المتشابه الذي يرى السلف تفويض الأمر فيه إلى الله دون أن نحيط بحقيقته ونكشف المراد منه وننزه الله عن الشفاعة التي نشاهد مثالها في الحياة الدنيا، وغاية ما نستطيع أن نقول: إنها مزية يختص الله بها من يشاء من عباده عبر عنها بلفظ (الشفاعة) ولا ندرك حقيقتها.
ويرى المتأخرون ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية، أنها دعاء يدعوه النبي صلى الله عليه وسلم فيستجيبه المولى جلّ وعلا كما يفهم من رواية الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم يسجد يوم القيامة ويثنى على الله بثناء يلهمه يومئذ، فيقال له ارفع رأسك وسل تعط واشفع تشفّع، وليس في الشفاعة بهذا المعنى رجوع المولى عن إرادته لأجل الشافع، وإنما هى إظهار كرامة للشافع بتنفيذ ما أراده الله أزلا عقب دعائه، فليس فيها ما يسدّ نهم المغرورين الذين يتهاونون في أوامر الدين ونواهيه اعتمادا منهم على الشفاعة كما قال:(فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ) .