ليس من سنته تعالى أن يغفر لهم ذلك الكفر والظلم يوم الحساب والجزاء، لأن الكفر والظلم قد أفسدا فطرتهم وأثرا فى نفوسهم وأعميا قلوبهم وجعلاها تستمرئ قبيح الأفعال، وتهوى شر الخلال والأعمال- ولا يزول هذا إلا إذا اتجهت نفوسهم إلى ما يضادّ ذلك، من إيمان صحيح وعمل صالح يزكى النفوس مما ران عليها ويطهرها وينشئها نشأة أخرى، ولا سبيل إلى ذلك يوم الجزاء والحساب، ومن ثم قال تعالى.
(وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ) أي وليس من شأنه أن يهدى أمثالهم طريقا يوصلهم إلى الجزاء على أعمالهم إلا طريق جهنم، فهى الطريق التي ينتهى إليها من دسى نفسه بالكفر والظلم، وأوغل فى السير فيها طول عمره، واستمرأ الشرور والمفاسد، حتى هوت به إلى واد سحيق.
فانتظار المغفرة ودخول الجنات لأمثال هؤلاء انتظار لإبطال نظام العالم ونقضى لسنن الله وحكمته فى خلق الإنسان.
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها ... إن السفينة لا تجرى على اليبس
(خالِدِينَ فِيها أَبَداً) الخلود بقاء الشيء مدة طويلة على حال واحدة لا يطرأ عليه فيها تغيير ولا فناء، والأبد: الزمن الممتد، وتأبد الشيء: بقي أبدا وأبد بالمكان أبودا:
أقام به ولم يبرحه، أي يدخلونها ويذوقون عذابها حال كونهم خالدين فيها أبدا لا يخرجون منها.
(وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً) أي وكان ذلك الجزاء سهلا على الله دون غيره، لأنه مقتضى حكمته وسننه، وليس بالعزيز على قدرته.
وفى هذا تحقير لأمرهم وبيان لأن الله لا يعبأ بهم ولا يبالى بشأنهم.
(يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ) بعد أن أقام سبحانه الحجة على أهل الكتاب وردّ شبهاتهم واقتراحهم ما اقترحوا تعنتا وعنادا- خاطب جميع الناس وأمرهم بالإيمان وشفعه بالوعد على عمل الخير والوعيد على عمل الشر، للإيماء إلى أن