ولا شك أن هذه العقيدة وثنية أخذت عن قدماء المصريين والبراهمة والبوذيين وغيرهم من وثنى الشرق والغرب.
(قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً؟) أي قل أيها النبي الكريم لهؤلاء النصارى: من يقدر على دفع الهلاك والموت عن المسيح وأمه، بل عن سائر الخلق جميعا إن أراد أن يهلكهم ويبيدهم؟
وخلاصة هذا- إن المسيح وأمه من المخلوقات القابلة للفناء والهلاك كسائر أهل الأرض، فإذا أراد الله أن يهلكهما ويهلك أهل الأرض جميعا لا يستطيع أحد أن يردّ إرادته، لأنه هو مالك الملك الذي يصرّفه بمقتضى مشيئته وإرادته، وإذا كان المسيح لا يستطيع أن يدفع عن نفسه ولا عن أمه الهلاك كما لا يستطيع أن يدفعه عن غيره، فكيف يكون هو الله الذي بيده ملكوت كل شىء؟
ثم ذكر ما هو كالدليل على ذلك فقال:
(وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) أي فمن يملك من الله شيئا إن أراد إهلاك المسيح وأمه وأهل الأرض قاطبة؟ فهو صاحب الملك المطلق والتصرف فى السموات والأرض وما بينهما أي وما بين العالمين العلوي والسفلى بالنسبة إليكم.
ثم دفع شبهة تحوك فى صدورهم من كيفية خلق عيسى فقال:
(يَخْلُقُ ما يَشاءُ) أي إن تلك الشبهة التي عرضت لكم وجعلتكم تزعمون أن المسيح بشر وإله- هو أنه خلق على غير السنة العامة وأنه عمل أعمالا عجيبة لا تصدر من عامة البشر، فالله له ملك السموات والأرض، ويخلق الخلق على مقتضى مشيئته، فقد يخلق بعض الأحياء من مادة لا توصف بذكورة ولا أنوثة كأصول أنواع الحيوان، ومن ذلك أبو البشر آدم عليه السلام، وقد يخلق بعضها من أنثى فقط، وقد يخلق بعضها من ذكر وأنثى، وشكل الخلق وسببه لا يدل على امتياز لبعضها عن بعض، ولا على ألوهية لبعضها، ولا حلول الإله الخالق فيها، فسنة الله فى خلق المسيح ومزاياه لا تدل على كونه إلها وربّا، لأن هذه المزايا فى الخلق كلها بمشيئة الخالق ولا يخرج بها المخلوق عن كونه مخلوقا.