(يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ) المقدسة المطهرة من الوثنية، لما بعث الله فيها من الأنبياء الدعاة إلى التوحيد، روى ابن عساكر عن معاذ بن جبل أن الأرض المقدسة ما بين العريش إلى الفرات، وبعضهم يسمى القسم الشمالي من هذا القطر باسم سورية، والباقي باسم فلسطين، أو بلاد المقدس، أو الأرض المقدسة، أو أرض الميعاد، لأن الله وعد بها ذرية إبراهيم، ويدخل فيما وعد الله به إبراهيم الحجاز وما جاوره من بلاد العرب.
فقول موسى: كتب الله لكم، يريد به ما وعد الله به إبراهيم من حق السكنى فى تلك البلاد المقدسة، لا أن المراد أنها تكون كلها ملكا لهم لا يزاحمهم فيها أحد، لأن هذا مخالف للواقع، ولن يخلف الله وعده، فاستنباط اليهود من ذلك الوعد أنه لا بد أن يعود لهم ذلك الملك ليس بصحيح.
ونص هذا الوعد فى سفر التكوين من التوراة إنه لما مر إبراهيم بأرض الكنعانيين ظهر له الرب وقال:(لنسلك أعطى هذه الأرض) وجاء فيه أيضا فى ذلك اليوم قطع الرب مع إبرام ميثاقا قائلا: (لنسلك أعطى هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات) .
(وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ) أي لا نرجعوا عما جئتكم به من التوحيد والعدل والهدى والرشاد إلى الوثنية والفساد فى الأرض، بالظلم والبغي واتباع الأهواء، فإن فى هذا الرجوع خسرانا لكم، إذ تخسرون فيه هذه النعم، ومنها الأرض المقدسة التي ستعطونها جزاء شكركم، فتحرمون من خيراتها وبركاتها، وقد جاء فى بعض أوصافها (إنها تفيض لبنا وعسلا) وتعاقبون بالتيه أربعين سنة ينقرض فيها المرتدون على أدبارهم.