ثم بين سبحانه ما يجب للناس من احترام الدماء وحفظ الأنفس ولا سيما بين الإخوة فقال:
(لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ) أي إن مددت يدك لتقتلنى فما أنا بالمجازي لك على السيئة بسيئة مثلها فذاك لا يتفق مع شمائلى وصفاتى، إذ لست ممن يتصف بهذه الصفة المنكرة التي تنافى تقوى الله والخوف من عذابه وهذا ما عناه بقوله:
ثم بين علة امتناعه عن قتله فقال:
(إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ) أي إنى أخاف الله وأخشى أن يرانى باسطا يدى إلى الإجرام وسفك الدماء بغير حق، وهو رب العالمين الذي يغذّيهم بنعمه، ويربّيهم بفضله وإحسانه، فالاعتداء على أرواحهم أكبر مفسدة لهذه التربية.
ولا شك أن هذا الجواب يتضمن أبلغ الموعظة والاستعطاف لأخيه العازم على الجناية، وليس فى الكلام ما يدل على عدم الدفاع البتة، ولكن فيه التصريح بعدم الإقدام على القتل،
وقد روى أحمد والشيخان وغيرهم قوله صلى الله عليه وسلم «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فقتل أحدهما صاحبه فالقاتل والمقتول فى النار، قيل يا رسول الله هذا القاتل! فما بال المقتول؟ قال إنه كان حريصا على قتل صاحبه» .
ثم قفّى على عظته البالغة، ونصائحه النافعة بالتذكير بعذاب الآخرة، من قبل أن الوعظ لا يؤثر فى كل نفس فقال:
(إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ) أي إنى أريد بالابتعاد من مقابلة الجريمة بمثلها أن ترجع إن فعلتها ملتبسا بإثمى وإثمك أي بإثم قتلك إياى، وإثمك الخاص بك الذي كان من آثاره عدم قبول قربانك، وروى هذا عن ابن عباس.
وقيل إن المراد- أن القاتل يحمل فى الآخرة إثم من قتله إن كان له آثام لأن الذنوب والآثام التي فيها حقوق العباد لا يغفر الله منها شيئا حتى يأخذ لكل ذى حق حقه فيعطى المظلوم من حسنات الظالم ما يساوى حقه إن كانت له حسنات توازى ذلك،