وهؤلاء المفسدون ضوعفت لهم العقوبات، فالقتل العمد العدوان يوجب القتل، ويجوز لولى الأمر العفو وترك القصاص، فغلظ ذلك فى قاطع الطريق وصار القتل حتما لاهوادة فيه ولا يجوز العفو عنه، وأخذ المال يتعلق به قطع اليد اليمنى فى غير قاطع الطريق فغلظ فى قاطع الطريق بقطع الطرفين، وإن جمعوا بين القتل وأخذ المال جمع فى حقهم بين القتل والصلب، لأن بقاءهم مصلوبين فى ممر الطرق يكون سببا لاشتهار إيقاع هذه العقوبة، فيصير ذلك زاجرا لغيرهم على الإقدام على مثل هذه المعصية، وإن اقتصروا على مجرد الإخافة عوقبوا بعقوبة خفيفة وهى النفي من الأرض.
ثم بين آثار هذه العقوبة فى الدنيا والآخرة فقال:
(لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ) أي ذلك الذي ذكر من عقابهم- ذل لهم وفضيحة فى الدنيا ليكونوا عبرة وعظة لغيرهم من المسلمين، ولهم فى الآخرة عذاب عظيم بقدر تأثير إفسادهم فى تدنيس نفوسهم وتدسيتها وظلمة أرواحهم بما اجترحت من الذنوب والآثام.
ثم استثنى ممن يستحقون العقوبة من تاب فقال:
(إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ) أي لكم أن تعاقبوا هذا العقاب الذي تقدم ذكره من قطعوا الطريق وعاثوا فى الأرض فسادا إلا من تابوا إلى الله وأنابوا من قبل أن يتمكن منهم الحاكم ويقدر على عقوبتهم، فإن توبتهم حينئذ وهم فى قوة ومنعة جديرة بأن تكون توبة خالصة لله صادرة عن اعتقاد بقبح الذنب والعزم على عدم العودة إلى فعل مثله وليس سببها الخوف من عقاب الدنيا، وإذا فهم قد تركوا الإفساد ومحاربة الله ورسوله، ومن ثم لا يجمع لهم بين أشد العقاب فى الدنيا والعذاب فى الآخرة بل يصيرون لمغفرة الله ورحمته كما قال:
(فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي فاعلموا أن الله غفور لما فرط من ذنوبهم، رحيم بهم يرفع العقاب عنهم، وهذه التوبة ترفع عنهم حق الله كله من عقاب فى الدنيا والآخرة، ولكن تبقى حقوق العباد فلمن سلبهم التائب أموالهم أيام إفساده أن يطالبوه بها، ولمن قتل منهم أحدا أن يطالبوه بدمه، وهم مخيرون بين القصاص والدية والعفو،