أي لا تهتمّ أيها الرسول بهؤلاء المنافقين الذين يسارعون فى إظهار الكفر والتحيز إلى أعدائه المؤمنين عند ما يرون الفرصة سانحة، فالله يكفيك شرهم، ويقيك ضرّهم، وينصرك عليهم وعلى من شايعهم وناصرهم.
والنهى عن الحزن وهو أمر طبعى وليس للإنسان اختيار فيه يراد به النهى عن لوازمه التي يفعلها الناس مختارين من تذكر المصايب وتعظيم شأنها، وبذا يتجدد الألم ويبعد أمد السلوى.
ثم بين أن أولئك المسارعين فى الكفر من المنافقين ومن اليهود فقال:
(مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ) أي لا يحزنك الذين يسارعون فى الكفر من المنافقين الذين ادعوا الإيمان بألسنتهم ولم تؤمن قلوبهم.
(وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ) الذين هادوا هم اليهود، والمراد بالسماع سماع القبول والاعتقاد بصحة ما يقال، والمراد بالكذب ما يقوله رؤساؤهم فى النبي صلى الله عليه وسلم وفى أحكام دينهم التي يتلاعبون فيها بأهوائهم.
أي إن هؤلاء القوم كثيرو الاستماع لكلام الرسول صلوات الله عليه والإخبار عنه لأجل الكذب عليه بالتحريف واستنباط الشبهات، فهم جواسيس بين المسلمين لأعدائهم يبلغون الرؤساء أعداء الإسلام كل ما يقفون عليه، ليكون ما يفترون عليه من الكذب متقبلا، لأنه مبنى على وقائع معينة، يزيدون فى روايتها وينقصون، ويحرفون منها ما يحرفون وقد جرت العادة بأن الكذب لا يجد له نفوقا بين الناس إلا ممن يشاهد ويرى، أما البعيد فيظهر اختلاق كذبه سريعا، ولهذا كانوا ينقلون تلك الأكاذيب لمن لم يأت النبي صلى الله عليه وسلم من الرؤساء وذوى الكيد، ليسمعوا منه بآذانهم إما كبرا وتمردا وإما خوفا على أنفسهم وهذا معنى قوله: سماعون لقوم آخرين لم يأتوك، أي سماعون لأجلهم.
(يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ) أي يحرفون كلم التوراة من بعد وضعه