(لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) أي لكل أمة منكم أيها الناس جعلنا شريعة أوجبنا عليهم إقامة أحكامها، ومنهاجا وطريقا فرضنا عليهم سلوكه لتزكية أنفسهم وإصلاح سرائرهم من قبل أن الشرائع العملية تختلف باختلاف أحوال الاجتماع وطبائع البشر واستعداداتهم وإن اتفق الرسل جميعا فى أصل الدين، وهو توحيد الله والإخلاص له فى السر والعلن وإسلام الوجه له.
روى عن قتادة أنه قال فى تفسيرها: أي سبيلا وسنة، والسنن مختلفة، للتوراة شريعة، وللإنجيل شريعة، وللقرآن شريعة، يحل الله فيها ما يشاء، ويحرم ما يشاء، كى يعلم من يطيعه ممن يعصيه، ولكن الدين الذي لا يقبل غيره هو التوحيد والإخلاص الذي جاءت به الرسل وروى عنه أنه قال: الدين واحد والشريعة مختلفة.
ومن هذا يفهم أن الشريعة هى الأحكام العملية التي تختلف باختلاف الرسل وينسخ اللاحق منها السابق وأن الدين هو الأصول الثابتة التي لا تختلف باختلاف الأنبياء.
وهذا هو العرف الجاري الآن إذ يخصون الشريعة بما يتعلق بالقضاء وما يتخاصم فيه إلى الحكام.
والخلاصة- إن الشريعة اسم للأحكام العملية، وإنها أخص من كلمة (الدين) وتدخل فى مسمى الدين من جهة أن العامل بها يدين لله تعالى بعمله. ويخضع له ويتوجه إليه، مبتغيا مرضاته وثوابه بإذنه.
(وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) أي ولو شاء تعالى أن يجعلكم أمة واحدة ذات شريعة واحدة ومنهاج واحد تسيرون عليه وتعملون به، بأن يخلقكم على استعداد واحد، وأخلاق واحدة، وطور واحد فى معيشتكم، فتصلح لكم شريعة واحدة فى كل الأزمان، فتكونون كسائر أنواع المخلوقات التي يقف استعدادها عند مستوى معين كالطير أو كالنحل- لفعل ذلك إذ هو داخل تحت قدرته تعالى لا يستعصى عليه.