والنجاشي وأصحابه من النصارى، وكثير منهم أجلاف متعصبون، ساء ما يعملون من كفرهم بالله واجتراح المعاصي، ويزعم النصارى منهم أن المسيح ابن الله ويكذبون بمحمد صلى الله عليه وسلم، ويكذب اليهود بعيسى ومحمد صلى الله عليهما.
والمعتدلون لا تخلو منهم أمة، لكنهم يكثرون فى طور صلاح الأمة وارتقائها، ويقلّون فى طور فسادها وانحلالها، ولا تهلك الأمم إلا بكثرة من يعمل السوء من أشرارها، وقلة من يعمل الصالحات من أخيارها، وهؤلاء المعتدلون هم السباقون إلى كل صلاح وإصلاح يقوم به المجددون من الأنبياء فى مختلف العصور، ومن ثم قبل هذا الدين الجديد هؤلاء المقتصدون من أهل الكتاب ومن غيرهم فكانوا مع إخوانهم العرب من المجددين للتوحيد والفضائل والآداب، والمحبين للعلوم والفنون.
روي ابن أبى حاتم عن جبير بن نفير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يوشك أن يرفع العلم، قلت: وكيف وقد قرأنا القرآن وعلمناه أبناءنا؟ فقال:
ثكلتك أمك يا ابن نفير، إن كنت لأراك من أفقه أهل المدينة، أو ليست التوراة والإنجيل بأيدى اليهود والنصارى، فما أغنى ذلك عنهم حين تركوا أمر الله، ثم قرأ:(وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) الآية» .
وأخرج أحمد وابن ماجه عن زياد بن لبيد قال:«ذكر النبي صلى الله عليه وسلم شيئا فقال: وذلك عند ذهاب العلم، قلنا: يا رسول الله وكيف يذهب العلم ونحن نقرأ القرآن ونقرئه أبناءنا ويقرئه أبناؤنا أبناءهم إلى يوم القيامة؟ قال: ثكلتك أمك يا ابن أم لبيد، إن كنت لأراك من أفقه رجل بالمدينة، أو ليس هذه اليهود والنصارى يقرءون التوراة والإنجيل ولا ينتفعون مما فيهما بشىء» .
ومغزى هذا أن العبرة فى الأديان هو العمل بها والاهتداء بهديها، وقد كان أهل الكتاب فى ذلك العصر أبعد ما كانوا عن هداية دينهم مع شدة عصبيتهم الجنسية له، كما هو شأن المسلمين اليوم.
وهذه الشهادة لبعض أهل الكتاب بالقصد والاعتدال لها نظائر فى آيات أخرى