(حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) فيما دعيا إليه من التوحيد الخالص، والعمل الصالح، وفيما بشرا به من بعثة النبي الذي يجىء من ولد إسماعيل الذي سماه المسيح روح الحق والبارقليط.
(وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) على لسان محمد وهو القرآن المجيد فهو الذي أكمل به دين الأنبياء والمرسلين بحسب سنن الله فى الكون.
(وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً) أي وأقسم بأن الكثير من أهل الكتاب لا يزيدهم القرآن الذي أكمل الله به الدين المنزل على محمد خاتم النبيين إلا غلوّا فى تكذيبهم وكفرا على كفرهم، لأنهم لم ينظروا فيه نظرة إنصاف، بل نظروا إليه بعين العصبية والعدوان، إذ كانوا على تقاليد وثنية، وأعمال وعادات سخيفة، فلم يكن لهم من الدين الذي يدينون به ما يقرّبهم إلى فهم حقيقة الإسلام، ليعلموا أن دين الله واحد، وأن ما سبق بدء وهذا إتمام.
أما غير الكثير وهم الذين حافظوا على التوحيد ولم تحجبهم عن نور الحق شتى التقاليد فهم الذين ينظرون إلى القرآن بعين البصيرة، فيعلمون أنه الحق من ربهم، وأن من أنزل عليه هو النبي المبشر به فى كتبهم، فيسارعون إلى الإيمان به بحسب حظهم من سلامة الوجدان واطمئنان النفس، بما لديها من العلم والعرفان.
(فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) قال الراغب: الأسى الحزن، وأصله إتباع الفائت بالغم، أي فلا تحزن عليهم لزيادة طغيانهم وكفرهم، فإن ضرر ذلك راجع إليهم لا إليك ولا إلى المؤمنين، وحسبك الله ومن اتبعك من مؤمنى قومك ومن مؤمنى أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وغيره من علمائهم.
والعبرة للمسلم من هذه الآية أن يعلم أنه لا يكون على شىء يعتدّ به من أمر الدين حتى يقيم القرآن وما أنزل إليه من ربه فيه ويهتدى بهديه، فحجة الله على عباده واحدة، فإذا كان الله لا يقبل من أهل الكتاب قبلنا ما ورثوه من تلك التقاليد التي صدتهم عما عندهم من وحي الله، فإنه لا يقبل منا مثل ذلك مع حفظنا لكتابنا