عتوا وضلالا، حتى لم يعد يؤثر فى قلوبهم وعظ الرسل ولا هديهم، بل صار ذلك مغريا لهم بزيادة الكفر والتكذيب وقتل أولئك الهداة البررة والسادة الأخيار.
ثم ذكر ما سولته لهم أنفسهم على سوء أفعالهم فقال:
(وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ) الفتنة الاختبار بشدائد الأمور كتسلط الأمم القوية عليهم بالقتل والتخريب والاضطهاد: أي وظنوا ظنا قويا تمكن من نفوسهم أنه لا تقع لهم فتنة بما فعلوا من الفساد، لأنهم كانوا يقولون نحن أبناء الله وأحباؤه، ويعتقدون أن نبوة أسلافهم وآبائهم تدفع عنهم العقاب الذي يستحقونه بسبب ذلك القتل والتكذيب.
ثم بين نتائج ذلك فقال:
(فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ) أي فعموا عن آيات الله التي أنزلها فى كتبه مرشدة إلى عقابه للأمم المفسدة الظالمة، وعما وضعه من السنن فى خلقه مصدقا لذلك، وصموا عن سماع المواعظ التي جاءهم بها أولئك الرسل وأنذروهم بالعقاب إذا هم خالفوها ونقضوا الميثاق وخرجوا عن هدى الدين، وظلموا أنفسهم واتبعوا أهواءهم وساروا فى غيهم، وانهمكوا فى ضلالهم، فسلط الله عليهم من سامهم الخسف وأوقع بهم البوار والدمار، فجاس البابليون خلال ديارهم، وأحرقوا المسجد الأقصى ونهبوا أموالهم وسبوا أولادهم ونساءهم وسلبوهم أموالهم وثلوّا عروش ملكهم، ثم رحمهم الله وتاب عليهم حين أقلعوا عن الفساد وأعاد إليهم ملكهم وعزهم على يد ملك من ملوك الفرس، إذ جاء إلى بيت المقدس وعمره وردّ من بقي من بنى إسرائيل فى أسر بختنصّر إلى وطنهم، ورجع من تفرق منهم فى الأقطار فاستقروا وكثروا وكانوا كأحسن ما كانوا.
ثم عموا وصموا مرة أخرى وعادوا إلى ظلمهم وفسادهم فى الأرض وقتلوا الأنبياء بغير حق فقتلوا زكريا وأشعيا وأرادوا قتل عيسى عليه السلام، فسلط الله عليهم الفرس ثم الروم (الرومانيين) فأزالوا ملكهم واستقلالهم.