أي لعن الله الذين كفروا من بنى إسرائيل فى الزبور والإنجيل على لسان هذين النبيين، فقد لعن داود عليه السلام من اعتدى منهم فى السبت أو لعن العاصين المعتدين عامة، وكذلك لعنهم عيسى عليه السلام وهو آخر أنبيائهم، وما سبب ذلك اللعن الذي امتدّ واستمر إلا تماديتهم فى العصيان وتمردهم على الأديان، كما يدل عليه قوله: وكانوا يعتدون.
ثم بين سبحانه أسباب استمرارهم على العصيان وتعدى الحدود فقال:
(كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ) أي كان من دأبهم ألا ينهى أحد منهم أحدا عن منكر يقترفه مهما قبح وعظم ضرره، والنهى عن المنكر هو حفاظ الدين، وسياج الفضائل والآداب، فإذا تجرأ المستهترون على إظهار فسقهم وفجورهم ورآهم الغوغاء من الناس قلدوهم فيه، وزال قبحه من نفوسهم، وصار عادة لهم، وزال سلطان الدين من قلوبهم وتركت أحكامه وراءهم ظهريا.
وفى الآية إيماء إلى فشوّ المنكرات فيهم وانتشار مفاسدها بينهم، إذ لولا ذلك كان ترك التناهى شأنا من شئونهم، وعادة من عاداتهم.
(لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ) هذا تقبيح لسوء فعلهم وتعجب منه وذم لهم على اقتراف بعضهم للمنكرات وإصرارهم عليها، وسكوت آخرين ورضاهم بها، وفى سوق الآية إرشاد للمؤمنين وعبرة لهم، حتى لا يفعلوا فعلهم فيكونوا مثلهم ويحل بهم من غضب الله ولعنه مثل ما حل ببني إسرائيل.
روى أبو داود والترمذي عن ابن مسعود أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن أول ما دخل النقص على بنى إسرائيل أنه كان الرجل يلقى الرجل فيقول يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد وهو على حاله فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض ثم قال:(لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا- إلى قوله فاسِقُونَ) ثم قال صلى الله عليه وسلم: كلا، والله لتأمرنّ بالمعروف ولتنهونّ عن المنكر ثم لتأخذنّ على يد الظالم ولتأطرنّه (تعطفنّه)