(وَلَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِياءَ) أي ولو كان أولئك اليهود الذين يتولون الكافرين من مشركى العرب- يؤمنون بالنبي الذي يدّعون اتباعه وهو موسى عليه السلام وما أنزل إليه من الهدى والبينات، لما اتخذوا أولئك الكافرين ممن يعبدون الأوثان والأصنام أولياء وأنصارا، إذ كانت العقيدة الدينية تصدهم عن ذلك وتدفع عنهم هذه الآصار والآثام التي يقترفونها.
والخلاصة- إن هذه الولاية بين اليهود والمشركين لم يكن لها من سبب إلا اتفاق الفريقين على الكفر بالله ورسوله، والتعاون على حربه، وإبطال دعوته، والتنكيل بمن آمن به.
ويرى مجاهد أن المراد بالذين كفروا المنافقون أي: إن أولئك المنافقين كفار ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه كما يدّعون ما اتخذهم اليهود أولياء لهم، فتولّيهم إياهم من أعظم الأدلة على أنهم يسترون الكفر ويظهرون الإيمان نفاقا، وكان اليهود يتولون المشركين والمنافقين جميعا لاشتراكهم فى عداوة النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين.
وقد بين الله أسباب هذه الألفة والعلة الجامعة بينهم فقال:
(وَلكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فاسِقُونَ) أي ولكن كثيرا منهم متمردون فى النفاق، خارجون عن حظيرة الدين، لا يريدون إلا الرياسة والجاه، ويسعون إلى تحصيلها من أي طريق قدروا عليه، ومتى سار الكثير من الأمة على طريق تبعه الباقون، إذ لا عبرة بالقليل فى سيرة الأمة وأعمالها.
وكان الفراغ من مسوّدة تفسير هذا الجزء فى الليلة الثالثة من شهر ربيع الأول سنة اثنتين وستين وثلاثمائة وألف من الهجرة النبوية بحلوان من أرباض القاهرة قاعدة الديار المصرية، ولله الحمد أولا وآخر، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.