(وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ) أي وكنت قائما عليهم أراقبهم وأشهد على ما يقولون وما يفعلون، فأقر الحق وأنكر الباطل مدة وجودى بينهم.
(فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) أي فلما قبضتنى إليك كنت أنت الحفيظ عليهم دونى، لأنى إنما شهدت من أعمالهم ما عملوه وأنا بين أظهرهم، وأنت تشهد على كل شىء إذ لا يخفى عليك شىء.
وفى هذا إيماء إلى أن الله إنما عرّفه أفعال القوم ومقالتهم بعد ما قبضه إليه بقوله:
وقد تقدم فى هذه السورة ما يثبت براءة عيسى عليه السلام من مثل هذه المقالة، وذلك قوله:«لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ، وَقالَ الْمَسِيحُ يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْواهُ النَّارُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ» .
وجاء فى إنجيل يوحنا (وهذه هى الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك، ويسوع المسيح الذي أرسلته) .
ثم فوّض عليه السلام أمر الجزاء إليه تعالى فقال:
(إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن نغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) أي إن تعذب من أرسلتنى إليهم فبلّغتهم ما أمرتنى به من توحيدك وعبادتك فضلّ منهم من ضل وقالوا مالم أقله، واهتدى منهم من اهتدى فلم يعبدوا معك سواك، فإنهم عبادك وأنت الرحيم بهم، ولست أنا ولا غيرى من الخلق بأرحم بهم منك، وإنما تجزيهم بحسب علمك بما يظهرون وما يبطنون، فأنت العليم بالمؤمن المخلص فى إيمانه، وبمن أشرك بك غيرك أو بمن أطاعك وبمن عصاك وأنت عالم الغيب والشهادة تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون.