وقد كانت العرب تؤمن بأن الله خالق السموات والأرض وأن كل ما فيهما ملك وعبيد له، كما قال تعالى «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ» .
والمقصود من السؤال التبكيت والتوبيخ.
(قُلْ لِلَّهِ) هذا تقرير للجواب نيابة عنهم، أو إلجاء لهم إلى الإقرار بأن الكل له سبحانه ولا خلاف بينى وبينكم فى ذلك ولا تقدرون أن تضيفوا شيئا آخر إليه.
وإتيان السائل بالجواب يحسن إذا كان ما يأتى به هو عين ما يعتقده المسئول وما يجيب به إن أجاب، وإنما يسبقه إليه ليبنى عليه شيئا من لوازمه مما يجهله المسئول أو يغفل عنه أو ينكره لجهله أو غفلته عن كونه لازما لما يعرفه ويعتقده.
ثم ذكر من صفاته ما يرعب فى طاعته فقال:
(كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ) أي إن الله الذي تقرون معى بأنه مالك السموات والأرض قد أوجب على ذاته العلية الرحمة بخلقه، إذ أفاض عليهم نعمه ظاهرة وباطنة، ومن مقتضى هذه الرحمة أن يجمعكم إلى يوم القيامة، ذلك اليوم الذي لا شك فى مجيئه لوضوح أدلته وسطوع براهينه، للحساب والجزاء على الأعمال، إذ أنه وازع نفسى لا يتم تهذيب النفوس إلا به فهو يمنع الظلم وهضم الحقوق وإيذاء الناس وارتكاب الفواحش ما ظهر منها وما بطن، خوفا من هول ذلك اليوم الذي تذهل فيه كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها.
ولما كان مقتضى الرحمة والفضل أعم وأسبق من مقتضى العدل كان جزاء الظالمين المسيئين على قدر استحقاقهم، ومنهم من يعفو الله عنه، فالجزاء على الإساءة قد ينقص منه بالعفو والمغفرة ولا يزاد فيه، وإنما الزيادة فى الجزاء على الإحسان:«مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها، وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها» .
وبيان الدين لهذا النوع من الجزاء رحمة أيضا، فما مثله إلى مثل الحكومة العادلة تبيّن للأمة ما تؤاخذ عليه من الأعمال الضارة وما تكافئ به من يصدق فى خدمتها