فى كتابه الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها كما تتمثل الوقائع مصوّرة فى آلة الصور المتحركة (فلم السينما) :
فكل أحد يظهر له فى الآخرة ما كان خافيا عليه من خير فى نفسه وشر «يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ» أي فهى لا تخفى على أنفسكم فضلا عن خفائها على ربكم.
والخلاصة- إنه تعالى بين لنا أن تمنى أولئك الكفار لما تمنّوا لا يدل على تبدل حقيقتهم، بل بدا لهم ما كان خافيا عليهم من أحوالهم بإخفائهم إياه على الناس أو عليهم «وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ. وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ» فتمنوا الخروج مما حاق بهم، ولكن الحقيقة لا تتغير، وإنما يكون للنفوس أطوار وأحوال.
ثم بين أنهم كاذبون فى هذا الندم فقال:
(وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ) من الكفر والنفاق والكيد والمكر والمعاصي فإن ذلك من أنفسهم، ثابت فيها لخبث طينتهم وسوء استعدادهم، ومن ثم لا ينفعهم مشاهدة ما شاهدوا ولا سوء ما رأوا.
(وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) فيما تضمنه تمنيهم من الوعد بترك التكذيب بآيات الله، وبالكون من المؤمنين بالله ورسوله، فلو ردوا إلى الدنيا لرد المعاند المستكبر منهم مشتملا بكبره وعناده، والمنافق مرتدا بمكره ونفاقه، والشهواني ملوّثا بشهواته القابضة على زمامه.
وأما ما ظهر لهم إذ وقفوا على النار من حقيقة ما جاء به الرسول، فما مثله إلا مثل ما يلوح لهم فى الدنيا من الآيات والعبر، فهم يكابرون فيها أنفسهم، ويغالطون عقولهم ووجداناتهم.
ألا ترى شارب الخمر والمقامر يريان ما حل بغيرهما من الشقاء فيظهران الندم على ما فرط منهما ويتوبان ويعزمان على ألا يعودا إلى مثل ما عملا، ثم لا يلبثان أن يرجعا سيرتهما الأولى خضوعا لما اعتادا وألفا، وترجيحا للذة العاجلة على المنفعة الآجلة.