(وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ) أي وما هذه الحياة الدنيا التي قال الكفار إنه لا حياة غيرها إلا لهو ولعب، فهى دائرة بين عمل لا يفيد فى العاقبة كلعب الأطفال، وعمل له فائدة عاجلة سلبية كفائدة اللهو وهو دفع الهموم والآلام، ومن ثم قال بعض الحكماء: إن جميع لذات الدنيا سلبية إذ هى إزالة للآلام، فلذة الطعام فى إزالة ألم الجوع، وبقدر هذا الألم تعظم اللذة فى إزالته، ولذة شرب الماء هى إزالة العطش وهكذا.
وفى الآية وجه آخر، وهو أن متاع هذه الدنيا متاع قليل، قصير الأجل لا ينبغى أن يغتر به العاقل، فما هو إلا كلعب الأطفال قصير المدة، فإن الطفل سريع الملل لكل ما يقدّم إليه من أصناف اللعب، أو أن زمن الطفولة قصير كله غفلة، أو كلهو المهموم فى قصر مدته، على كونه غير مقصود لذاته.
(وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) الكفر والمعاصي، لخلو لذاتها من المضار والآلام وسلامتها من التقضي والانصرام، من هذه الدار للمشركين المنكرين للبعث الذين لا حظ لهم من حياتهم إلا التمتع الذي هو من قبيل اللعب فى قصر مدته وعدم فائدته، أو من قبيل اللهو فى كونه دفعا لألم الهم والكدر.
والخلاصة- إن نعيم الآخرة خير من نصيم الدنيا، فالبدنى منه أعلى وأكمل من نعيم الدنيا فى ذاته وفى دوامه وثباته وفى كونه إيجابيا لا سلبيا، وفى كونه غير مشوب ولا منغّص بشىء من الآلام، وفى كونه لا يعقبه ثقل ولا مرض ولا إزالة أقذار، والروحاني منه كلقاء الله ورضوانه وكمال معرفته يجلّ عنه الوصف والتحديد ولا شبيه له فى نعيم الدنيا.
(أَفَلا تَعْقِلُونَ) أي أتغفلون عن هذا فلا تعقلون أن الحياة الدنيا لعب ولهو وأنتم ترون من يموت، ومن تنوبه النوائب، وتفجعه الفواجع؟ ففى ذلك مزدجر عن الركون إليها، واستعباد النفوس لها، ودليل على أن لها مدبرا يلزم الخلق عبادته وعدم إشراك غيره معه فى ذلك التدبير والنظام وإخلاص العبادة والطاعة له.