(حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ) أي حتى إذا ظنوا أن الذي أوتوا إنما هو باستحقاقهم ولم يزدهم ذلك إلا بطر وغرورا، أخذناهم بعذاب الاستئصال حال كونهم مبغوتين، إذ فاجأهم على غرة من غير سبق أمارات ولا إمهال للاستعداد أو للهرب، فإذا هم مبلسون أي يائسون من النجاة.
وفى الآية إيماء إلى أن البأساء والضراء وما يقابلهما من السراء والنعماء مما يتهذب به من وفقهم الله للهداية وألهمهم الرشاد، والاختبار أكبر شاهد على صدق هذه القضية فالشدائد مصلحة للفساد، مهذّبة للنفوس، والمؤمن أجدر الناس بالاستفادة من الحوادث.
روى مسلم عن صهيب مرفوعا «عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضرّا، صبر فكان خيرا له» .
وروى أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إذا رأيت الله يعطى العبد من الدنيا على معاصيه ما يحبّ، فإنما هو استدراج ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم- فلما نسوا ما ذكروا به» الآية
وروى مالك عن الزهري أنه قال:(فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ) أي رخاء الدنيا وسترها وقال الحسن البصري: من وسع الله عليه فلم يرأنه يمكر به فلا رأى له، ومن قتّر عليه فلم يرأنه ينظر له فلا رأى له، ثم قرأ:«فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ» الآية ثم قال: مكر بالقوم وربّ الكعبة. أعطوا حاجتهم ثم أخذوا.
(فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا) أي فهلك أولئك القوم الذين ظلموا أنفسهم بتكذيب الرسل والإصرار على الشرك وأعماله واستؤصلوا فلم يبق منهم أحد.
(وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) أي والثناء الكامل والشكر التام لله رب العالمين على إنعامه على رسله وأهل طاعته، بإظهار حججهم على من خالفهم من أهل الكفر وتحقيق ما وعدهم به من إهلاك المشركين، وإراحة الأرض من شركهم وظلمهم.
وهذه الجملة إرشاد من الله لعباده المؤمنين بتذكيرهم بما يجب عليهم من حمده على