للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد لبثت فيكم عمرا من قبل عاطلا من هذه المعرفة، وتلك البلاغة الساحرة، وذلك البيان الخلاب؟

وبعد أن أمره بتبليغ الناس حقيقة رسالته، أمره بإنذار من يخشون الحساب والجزاء فقال:

(وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) أي وأنذر بما يوحى إليك- المؤمنين بالله الذين يخافون أهوال الحشر وشدة الحساب وما يتبع ذلك من الجزاء على الأعمال عند القدوم على الله فى ذلك اليوم الذي لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة: «يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ» يوم لا ولى ينصر، ولا شفيع يدفع العذاب إن أريد النجاة منه، بل أمر ذلك متوقف على مرضاة الله.

فهؤلاء المؤمنون هم الذين يرجى أن يتّقوا الله اهتداء بهداك وخوفا من إنذارك ويتحرّوا ما يؤدى إلى مرضاته، لا يصدهم عن ذلك اتكال على الأولياء ولا اعتماد على الشفعاء، علما منهم أن الشفاعة لله جميعا: «ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ» .

كما أنهم يستيقنون أن نجاتهم إنما تكون بإيمانهم وأعمالهم وتزكيتهم لأنفسهم لا بانتفاعهم بصلاح غيرهم أو شفاعة الشافعين لهم، كما هو حال المشركين الذين جهلوا أن مدار السعادة فى الدنيا والآخرة مرتبط بتزكية النفس وطهارتها بالإيمان الصحيح والأخلاق الكريمة والأعمال الصالحة لا على أمر خارج عن النفس لا تأثير له فيها.

والآية بمعنى قوله تعالى: «إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ» وقوله: «إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ» .

ثم نهى رسوله أن يطيع المترفين من كفار قريش فى شأن المؤمنين المستضعفين فقال:

(وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) أي ولا تطرد أيها الرسول هؤلاء المؤمنين الموحّدين الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى أي أول

<<  <  ج: ص:  >  >>