وهذا النهى شامل لنهى الله عنه فى كتابه الكريم فى كثير من الآيات، ولأمره بضده وهو دعاؤه وحده، ولنهى العقل والفطرة السليمة قبل إرسال الأنبياء.
ثم أمره أن يبين لهم أن هذه العبادة مبنية على الرأى والهوى وهى ضلال وغىّ.
(قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) أي قل لهم: لا أتبعكم على ما تدعوننى إليه لا فى هذه العبادة ولا فى غيرها من الأعمال، لأنها مؤسسة على الهوى، وليست على شىء من الحق والهدى، فإن فعلت ذلك فقد تركت محجة الحق وسرت على غير هدى، فصرت ضالا مثلهم وخرجت من عداد المهتدين، وفى هذا تعريض بأنهم ليسوا من الهداية فى شىء.
ثم أمره أن يقول لهم: إنى على هدى من ربى فيما أتبعه.
(قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي) أي قل لهم أيها الرسول إنى فيما أخالفكم فيه على بينة من ربى أي على بيان قد تبينته، وبرهان قد وضح لى من ربى بالوحى والعقل، إذ القرآن بينة مشتملة على ضروب كثيرة من البينات العقلية والكونية التي يعجز الرسول عن الإتيان بمثلها.
(وَكَذَّبْتُمْ بِهِ) أي والحال أنكم كذبتم به أي بالقرآن الذي هو بينتى من ربى، ومن عجيب أمركم أنكم تكذبون ببينة البينات، ثم تطمعون أن أتبعكم على ضلال من أمركم لا بينة لكم عليه إلا محض التقليد، والتقليد براءة من الاستدلال، ورضا بجهل الآباء والأجداد.
وفى هذا حجة دامغة، وبينة ناصعة على ما قبله، من نفى عبادته صلى الله عليه وسلم للذين يدعونهم من دون الله.
وبعد أن بين تكذيبهم به قفّى عليه برد شبهة تخطر حينئذ بالبال، وهى أن الله أنذرهم عذابا يحلّ بهم إذا أصروا على عنادهم وكفرهم، ووعد بأن ينصر رسوله عليهم وقد استعجلوا النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فكان عدم وقوعه شبهة لهم على صدق القرآن، إذ هم يجهلون سنة الله فى شئون الإنسان، فأمر الله نبيه أن يقول لهم: